منتدى الجميع :منتدى شبابي عربي( والشباب السوري خص نص )ميت فله
مرحبا حبيب

ليك..هلأ في شغلة
انت مو مسجل عنا بالمنتدى
مشان هيك لازم تكبس عكلمة تسجيل مشان تصير اخ جديد معنا هون بالمنتدى
واهلا وسهلا فيك حبيب القلب نورت منتداك
.
يا اما مسجل بس مو فايت باسمك
مشان هيك لازم تكبس عكلمه دخول

(ملاحظة مهمة : اذا ما سجلت دخول ما رح تقدر تشوف عدة اقسام متل الاغاني والافلام والقسم العام واقسام اخرى )



والله حيو واهلين بالشباب

نورتو يابي



{ادارة المنتدى}

منتدى الجميع :منتدى شبابي عربي( والشباب السوري خص نص )ميت فله
مرحبا حبيب

ليك..هلأ في شغلة
انت مو مسجل عنا بالمنتدى
مشان هيك لازم تكبس عكلمة تسجيل مشان تصير اخ جديد معنا هون بالمنتدى
واهلا وسهلا فيك حبيب القلب نورت منتداك
.
يا اما مسجل بس مو فايت باسمك
مشان هيك لازم تكبس عكلمه دخول

(ملاحظة مهمة : اذا ما سجلت دخول ما رح تقدر تشوف عدة اقسام متل الاغاني والافلام والقسم العام واقسام اخرى )



والله حيو واهلين بالشباب

نورتو يابي



{ادارة المنتدى}

منتدى الجميع :منتدى شبابي عربي( والشباب السوري خص نص )ميت فله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى الجميع منتدى شبابي عربي سوري ... أهلاًًُ بكم
 
دخولأحدث الصورالتسجيلالرئيسية
<<<< 4all <<<< الأن وبمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك تمتع بإشرافك على إحدى أقسام منتدانا المتواضع عند إحتواء رصيدك على أكثر من 50 موضوع في نفس القسم . . .

 

 السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام

اذهب الى الأسفل 
5 مشترك
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-07-30, 3:36 pm

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

بسم الله الرحمن الرح



الســـــيرة النبويـــة كاملــة من عدة مـواقـع اســـــلامية



والبداية : مقدمة في الســـيرة النبويــــة


لما كان محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم آخر رسل الله إلى البشرية جمعاء ، لزم أن تكون سيرته واضحة للجميع ، يستطيع كل أحدٍ الوصول إليها ، والنظر فيها ، والاستفادة منها . وقد قيض الله رجالاً من الصحابة ومن جاء بعدهم ، نقلوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى صارت في متناول كل راغب ومحب .

وإنّ تتبع تلك السيرة العطرة والوقوف على أحداثها ووقائعها ، وتناولها بالدراسة والتحقيق له أهداف عديدة ، يرمي لها الباحثون ، ويسعى إليها الدارسون ، أهداف يضعها المسلم نصب عينيه وهو يقلب السيرة بين يديه ، أهداف تجعل السيرة النبوية مميزة عن غيرها ، فلا تكون دراستها من أجل المتعة فحسب ، وإنما لأجل غايات أسمى، فمن ذلك :

1- معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة شاملة ، كمعرفة نسبه ومولده ونشأته ، وأسلوب دعوته من بعثته إلى وفاته صلى الله عليه وسلم ، تلك المعرفة التي تورث القرب منه ، ومحبته التي ينبغي أن تُملأ بها القلوب بعد محبة الله عزوجل .

2- معرفة هديه صلى الله عليه وسلم في الأمور كلها ، هديه في المنام والطعام والشراب والنكاح ، هديه في الحل والترحال ، هديه في السلم والحرب ، هديه في التعامل مع ربه ومع نفسه ومع المخلوقين ، هديه في التعامل مع الموافقين والمخالفين ، هديه في التربية والتعليم والدعوة والإرشاد ، هديه في كل ما يحتاجه البشر ، مما يترتب على ذلك محبته صلى الله عليه وسلم واتباعه والاقتداء به ، وتلك عبادة واجبة لا بد منها ، وهي سبيل إلى الهداية ، قال تعالى: { قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين } (النور : 54) .

3- أخذ الدروس والعبر ، التي تضيء للسالك الطريق ، وتوصله إلى بر الأمان ، تلك الدروس التي تُؤخذ من سيرته صلى الله عليه وسلم في جميع الأحوال ، ولجميع الفئات.

4- الوقوف على التطبيق العملي لأحكام الإسلام التي تضمنتها الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة .

5- الوقوف على دلائل معجزاته صلى الله عليه وسلم ، مما يقوي الإيمان ويزيده .

6- معرفة الصحيح الثابت عنه صلى الله عليه وسلم ، حتى يميّز عن غيره ، وبالتالي تبقى السيرة صفحات بيضاء كما هي الحقيقة ، بعيدة عن غلو الغالين ، وتزييف الحاقدين .

7- بيان ما كان عليه هذا القائد العظيم من صفات وشمائل ، فلم ولن تجد سيرة أحدٍ ممن خلق الله تماثلها ، فضلاً عن أن تنافسها وتزيد عليها ، فهو قدوة في كل شيء يحتاجه الإنسان ، قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة} (الأحزاب : 21).

8- معرفة الإسلام ، عقيدة ، وشريعة ، وأخلاقاً .

9- الاستعانة بدراسة السيرة في تفسير القرآن الكريم ، وشرح السنة النبوية .

10- معرفة موقف الإسلام وتعامله مع جميع الناس من صديق وعدو ، مسلم وكافر، معاهد وخائن وغير ذلك .

تلك هي بعض الأهداف التي يُسعى لها وتُستفاد من دراسة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلك السيرة التي لا بد من بيانها والوقوف معها، ومعرفة عوامل تميزها عن غيرها؛ حيث إنها سيرة باقيةٌ بقاء هذا الدين، وشاملة بشموله، ومحفوظة بحفظه، وصاحبها مُتبعٌ يقتدى به إلى آخر الزمان، فلا نبيٌّ بعده صلى الله عليه وسلم، والله الموفق.


عدل سابقا من قبل أســـيرة المســتحيل في 2008-07-30, 7:01 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

كاتب الموضوعرسالة
r@mrome
عضو مبدع خبير
عضو مبدع خبير
r@mrome


انثى
عدد الرسائل : 1200
العمر : 38
الإقامة : دمشق طبعا عاصمة الثقافة
السٌّمعَة : 0
النقاط : 4
تاريخ التسجيل : 09/05/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-04, 10:42 pm

هالموضوع زينة المنتدى الله يعطيكي بكل حرف 10حسناااااااات

تقبلي مروري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-06, 10:54 am



تســــــــلميلي رمــرومــــة

دمتــي بخيـــر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-06, 1:06 pm


أحداث غـــــــزوة ذات الـــرقاع


ارتبطت أسماء بعض الغزوات بحجم المعاناة والمشقّة التي كان يجدها النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته ، في سبيل الدعوة ونشر الإسلام .

ومع غزوة من هذه الغزوات التي بلغ الجهد فيها بالصحابة مبلغه ، حتى لبسوا الجلود والخِرق واستخدموها كنوعٍ من الأحذية ، بدلاً من النعال أو الخفّ ، وقد سجّل التاريخ أحداث هذه الغزوة في السنة السادسة للهجرة .

فبعد أن تمّ القضاء على فتنة اليهود ، وكسر شوكة قريشٍ ومن معها ، بقي هناك خطر آخر ، وهو الأعراب القساة ، المتواجدون في صحاري نجد ، والذين لم يتوقّفوا عن أعمال النهب والسلب ، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - تأديبهم وإخماد نار فتنتهم من جهة ، وتوطيد الأمن وحماية المنطقة من جهة أخرى .

وعندما سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - باستعداد هؤلاء لقتاله حزم أمره ، ونادى أصحابه بالغزو ، وبإعداد العدّة ، وسارع المسلمون إلى أسلحتهم وتجمّعوا للحرب ، حتى بلغوا فيما قيل أربعمائة أو سبعمائة مقاتل .

وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بجيشه من المدينة ، واتضحت منذ البداية الصعوبات التي تنتظرهم ، فهناك نقصٌ شديد في عدد الرواحل ، حتى إن الستّة والسبعة من الرجال كانوا يتوالون على ركوب البعير.

ومما زاد الأمر سوءاً وعورة الأرض وكثرة أحجارها الحادّة ، التي أثّرت على أقدامهم حتى تمزّقت خفافهم ، وسقطت أظفارهم ، فقاموا بلفّ الخِرَق والجلود على الأرجل ؛ ومن هنا جاءت تسمية هذه الغزوة بهذا الاسم ، ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : "وكنا نلفّ على أرجلنا الخِرَق ، فسُمِّيت غزوة ذات الرقاع ".

واستمرّ الجيش في المسير حتى بلغ موضعاً لبني غطفان يُقال له " نخل " ، فلما سمع بهم الأعراب تملّكهم الخوف ، وأدركوا جدّية الأمر، فهربوا إلى رؤوس الجبال ، تاركين وراءهم النساء والذرّية .

وخشي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعود أولئك الفارّون مرة أخرى ليهجموا على المسلمين على حين غفلةٍ منهم ، خصوصاً أن وقت الصلاة قد حضر ، والمشركون ينتظرون لحظةً كهذه لينقضّوا على المسلمين .

وفي هذه الأثناء جاء الفرج من عند الله ، ونزلت آيةٌ كريمة فيها تشريع صلاة الخوف وبيان هيئتها ، وهي قوله تعالى : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهيناً } ( النساء : 102 ) ، فصلّى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمن معه .

وانتهت الصلاة ، ولم يحدث شيءٌ مما كان يخشاه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فاختار الرجوع إلى المدينة بعد أن حصل له مقصوده من الغزو .

وفي طريق عودته ، ومع حلول الليل ، فرض النبي - صلى الله عليه وسلم - حراسةً على المعسكر ، واختار لهذه المهمّة رجلاً من المهاجرين ورجلاً من الأنصار ، وهما عباد بن بشر و عمّار بن ياسر رضي الله عنهما ، وقسم الليل بينهما نصفين ، فاختار عبّادٌ بن بشر أول الليل وقام يصلي ، واستغلّ أحد المشركين هذه الفرصة فأطلق سهماً أصاب عباداً رضي الله عنه ، فنزع السهم من جسده ومضى في صلاته ، ثم رماه المشرك بسهم ثانٍ وثالثٍ وهو مع ذلك مستمرٌّ في صلاته ، ولم ينصرف حتى أتمّها ، فأيقظ عماراً ليسعفه بالنجدة ، فلمّا رأى المشرك ذلك ولّى هارباً ، فقال عمار وهو يرى الدماء تسيل من جسده : " سبحان الله ، ألا نبّهتني أول ما رمى ؟ ، فقال عبّاد رضي الله عنه : كنت في سورة أقرأها ، فلم أحبّ أن أقطعها " .

واستيقظ الجيش في الصباح الباكر ، وواصلوا السير إلى الظهيرة ، وحان وقت القيلولة ، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتفرّق الناس يستظلون بالشجر ، فجاء أحد الأعراب ليجد النبي - صلى الله عليه وسلم - نائماً قد علّق سيفه ، والصحابة متفرّقون في الوادي ، فأخذ الأعرابي سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووقف على رأسه وقال له : من يمنعك مني ؟ .

وفي ظنّه أنه قد تمكّن من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يعلم أن الله قد عصمه من الناس وتكفّل بحفظه ورعايته ، فأجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - بكل ثقة ويقين : ( الله ) ، فلم يتمالك الأعرابيّ نفسه ، وأخذته الرجفة حتى سقط السيف من يده ، فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال له : ( من يمنعك مني ؟ ) ، فاعتذر الرجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ورجاه أن يتركه ، فقال له - صلى الله عليه وسلم - : ( أتشهد أن لا إله إلا الله ؟ ) ، قال : " لا ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك ، ولا أكون مع قوم يقاتلونك "، فأطلق سراحه ، وترك هذا العفو أثراً كبيراً في نفس الأعرابي ، حتى إنّه عاد لقومه وهو يقول : " قد جئتكم من عند خير الناس " .

وهكذا انتهت أحداث هذه الغزوة ، وقذف الله الرعب في قلوب أولئك الأعراب ، فلم تجرؤ القبائل من غطفان ولا غيرها أن ترفع رأسها بعد ذلك ، حتى شاء الله لها أن تُسلم لاحقاً لتشارك في فتح مكة وغزوة حنين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-06, 1:18 pm



الجلاء الأول لليهــــود "بنــو قينقــاع"


عند مقدم النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة كان من المنتظر أن يكون اليهود هم أول من يعلن الانضمام لقافلة الإسلام والتأييد دعوة التوحيد التي جاء بها ، وكان من المتصوّر أيضاً أن يكونوا يداً للمسلمين ضد الوثنية وأتباعها ، فهم أتباع رسالةٍ سماويةٍ ، وقد قامت لديهم البراهين وجاءتهم البشارات بمقدم هذا النبي .

ولكن ما حصل هو العكس ، فكان اليهود أول من بادر إلى مقاطعة هذا الدين الجديد ، وإعلان الانحياز إلى قريشٍ بعواطفهم وألسنتهم ودعاياتهم .

ومنشأ هذا الموقف ، هو الحسد الذي تولّد في قلوبهم تجاه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، حيث اصطفاه الله تعالى من أمّةٍ غير أمّتهم ، ومن مجتمعٍ مغايرٍ لهم ، وكان ظنّهم أن يكون مبعوثاً فيهم ، إضافة إلى حنقهم وغيظهم على الانتشار السريع لدعوته عليه الصلاة والسلام .


من هنا عاش اليهود في عزلةٍ تامة عن أهل المدينة ، ورفضوا الاندماج في المجتمع الإسلامي ، ولم يقفوا عند هذا الحد ، بل أطلقوا سيل المؤامرات والدسائس كمحاولةٍ منهم للقضاء على الدولة المسلمة .

وكانت أوّل الجماعات اليهوديّة إعلاناً لهذه العداوة بني قينقاع الذين كانوا يسكنون أطراف المدينة ، ولم يتوقّفوا لحظة عن إحداث الشقاق وإثارة المشكلات بين صفوف المسلمين ، وكانوا مصدر إيحاء وتوجيه للمنافقين ، وتأييد وتشجيع للمشركين .

وقد حاول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إرجاعهم إلى جادة الحق ، فجمعهم في سوقهم ونصحهم ، وخوّفهم عاقبة كتمان الحق ، وذكّرهم بمصير قريش في بدر ، فردّوا عليه بكل سفهٍ وحمق : " يا محمد ، لا يغرّنك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغمارا – يعنون قلّة خبرتهم في الحروب - لا يعرفون القتال ، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا " فأنزل الله عز وجل في ذلك قوله : { قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ، قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار } آل عمران : 12 – 13 ) ، رواه أبو داود .

وجاء الموقف الذي يؤكّد الضغينة والحقد الذي يحملوه اليهود ، باستطالتهم على أعراض المسلمين ، فقد ذكر ابن كثير وابن هشام أن امرأة من العرب جلست إلى صائغ في سوق بني قينقاع ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها ، فأبت ، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها ، فعقده إلى ظهرها ، فلما قامت انكشفت سوأتها ، فضحكوا عليها ، فصاحت ، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهودياً فشدت اليهود على المسلم فقتلوه.

وأمام هذه التجاوزات الخطيرة ، لم يكن هناك مفرٌّ من حملة تأديبية تمنع من مثل هذه الممارسات مستقبلاً ، فألغى النبي – صلى الله عليه وسلم – العهد الذي بينه وبين يهود بني قينقاع ، ثم أمر المسلمين بالاستعداد لمواجهة اليهود .

وانطلق الجيش في منتصف شهر شوّال من السنة الثانية للهجرة متوجّهاً إلى حصون بني قينقاع ، وعند الوصول ضرب عليهم النبي – صلى الله عليه وسلم – حصاراً محكماً قطع عنهم كل الإمدادات ، واستمرّ ذلك الحصار خمسة عشر يوماً ، حتى أعلن اليهود استسلامهم ونزولهم على حكم النبي – صلى الله عليه وسلم - .


وهنا لعبت العلاقات اليهودية مع المنافقين دورها ، فقد قام زعيم المنافقين عبدالله بن أبي بن سلول بمحاولة تخليصهم من خلال شفاعته عند النبي - صلى الله عليه وسلم – ، فقد ذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال :" يا محمد ، أحسن في مواليَّ - وكانوا حلفاء الخزرج قبل الهجرة – " ، فأبطأ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " يا محمد ، أحسن في موالي ، فأعرض عنه ، فأدخل يده في ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وجذبه بقوّة ، فغضب عليه الصلاة والسلام حتى احمرّ وجهه وقال : ( أرسلني ) ، فقال له : " لا والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليّ ، قد منعوني من الأحمر والأسود ، تحصدهم في غداة واحدة ؟ إني امرؤ أخشى الدوائر " فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( هم لك ) ، رواه ابن إسحاق .

وفي المقابل يبرز الموقف الإيماني للصحابي الجليل عبادة بن الصامت رضي الله عنه والذي كان حليفاً آخر ليهود بني قينقاع ، فقد أعلن براءته من حلفائه بكل وضوح قائلاً : " يا رسول الله ، أبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم ، وأتولّى الله ورسوله والمؤمنين ، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم " رواه ابن إسحاق ، وقد سجّل القرآن الكريم المفارقة بين الموقفين بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين } (المائدة : 51 - 52 ) .

وصدر الحكم بإخراج يهود بني قينقاع من المدينة ، وغنم المسلمون ما لديهم من الأموال ، وتوجّه القوم إلى منطقة يقال لها " أذرعات الشام " ، ولم يمضِ وقت طويل حتى هلك أكثرهم هناك ، وكان عددهم سبعمائة رجل .

وهذا الحكم الذي صدر من النبي – صلى الله عليه وسلم – كان لأجل ما بدر منهم من صدٍّ عن هذا الدين ورفضٍ له ، فالوثيقة التي عقدها النبي – صلى الله عليه وسلم – مع سكّان المدينة كانت تكفل لهم حرية البقاء والعيش فيها ، ولكن محاولاتهم المتكرّرة لإخلال الأمن وإشعال الاضطرابات في المجتمع المدني كان السبب الرئيسي في إجلائهم ، حتى يعود كيدهم في نحورهم ، ويزول الخطر من وجودهم .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-06, 1:24 pm


الجلاء الثانـــي لليهـــود عن المدينـــة (بني النضير)



الخيانة والغدر ديدن اليهود ، فهم لا يصبرون عن أخلاقهم الدنيئة ، ومؤامراتهم الخبيثة ، التي تجلب لهم الضرر ، وتكون سبب لعنهم ، وطردهم ، وإن هدؤوا قليلاً فسرعان ما يعودون إلى سابق عهدهم ، فبعد ما أصابهم في وقعة بني قينقاع ، وبعد مقتل كعب بن الأشرف ، استكانوا والتزموا الصمت ، إلا أنهم لم يصبروا على ذلك ، فبعد أحدٍ أخذوا يتصلون بالمنافقين في المدينة ، والمشركين في مكة ، والنبي صلى الله عليه وسلم صابر على أذاهم ، ثم تفاقم أمرهم ، وزاد شرهم بعد وقعة الرجيع وبئر معونة ، حيث دبروا مؤامرة خبيثة تستهدف القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقتله بواسطة حجر يسقطونه عليه وهو جالس إلى جدار أحد بيوتهم .

ولكن الله يحمي رسله من كيد الكائدين ، وغدر الغادرين ، حيث نزل جبريل بالوحي من السماء فأخبر الرسول بما دبره اليهود ، فقام الرسول مسرعاً ، وبعث محمد بن مسلمة إلى يهود بني النضير ، يخبرهم بأن يخرجوا من المدينة ولا يساكنوا المسلمين ، وأمهلهم عشرة أيام ، فمن وجد بعد ذلك قتل ، فتأهبوا للخروج ، ولكن المنافقين تدخلوا ، فأخروهم ، وأخبروهم أنهم معهم ضد المسلمين ، كما فضحهم القرآن الكريم ، قال تعالى: { ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون } (سورة الحشر : 11) .


وهنا تراجع اليهود ثقة بوعود عبدالله بن أبي بن سلول ، ومناصرة قريظة وغطفان ، وعزموا على مقاتلة المسلمين ، وبعث رئيسهم حيي بن أخطب إلى الرسول يخبره بعدم الخروج .

فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعد أن استخلف على المدينة ابن أم مكتوم ، وكانت غزوة بني النضير التي جرت أحداثها في السنة الرابعة للهجرة ، حيث فرض عليهم الحصار ، ولجأ اليهود إلى الحصون ، واحتموا بها .

ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع نخيلهم وتحريقها ، فنزلت: { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله } (الحشر : 5)، واعتزلتهم قريظة ، وخانهم عبدالله بن أبي والمنافقون ، وحلفاؤهم من غطفان ، وبقوا في شر حال ، محاصرين أياماً ، حتى اندحروا واستسلموا ، وأرسلوا للرسول يريدون الخروج من المدينة ، فوافق على أن يخرجوا بنفوسهم وذراريهم ، مع ما يستطيعون حمله على إبلهم من المتاع إلا السلاح . وهذا يظهر عظمة الإسلام ، ورحمته بالناس ، وحلم النبي صلى الله عليه وسلم .


فخرج اليهود يجرون ذيول الخيبة والهزيمة ، بعد أن خربوا بيوتهم بأيديهم ليحملوها أبواباً وشبابيك وأوتاداً، فرحل أكثرهم إلى خيبر، وطائفة منهم إلى الشام، وأسلم بعضهم . وغنم المسلمون أرضهم وديارهم ، وأسلحتهم التي بلغت خمسين درعاً ، وخمسين بيضة-خوذة الرأس- ، وثلاثمائةوأربعين سيفاً .

ومن نتائج هذه الغزوة تطهير المجتمع الإسلامي من أهل الغدر والخيانة ، فتم إجلاء يهود بني النضير من المدينة كما حصل لأصحابهم بني قينقاع من قبل ، وذلك جزاءاً بما كسبت أيديهم ، وبه يخف الضرر على المسلمين ، ويقل بالمدينة أصحاب القلوب المريضة ، المحملة بالغدر والخيانة ، ومن نتائجها وفوائدها نزول سورة الحشر التي جاء فيها وصف اليهود ، وفضح المنافقين ، وبيان أحكام الفئ ، وبيان جواز القطع والحرق في أرض العدو إذا اقتضت المصلحة ذلك ، وفوق ذلك آيات بينات تثني على المهاجرين والأنصار لتخلد ذكرهم في الأرض إلى قيام الساعة ، والله الموفق .




الجلاء الثالث لليهــــود عن المدينـــة ( بني قريظة )



الغدر ونقض العهود والمواثيق خلق مشين ، نشأ عليه اليهود ، فلا يستطيعون فراقه ، فهم كما وصفهم الله عز وجل: { أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون } (البقرة : 100)، ومن كانت هذه حاله يصعب التعامل معه ، وبالتالي لا بد من استئصاله والتخلص منه بالقتل أو النفي ، حتى يبقى المجتمع نظيفاً آمناً .

وبنو قريظة صنف من اليهود كغيرهم ممن نقضوا العهود ، وخانوا المسلمين في أصعب الظروف ، وتآمروا مع الأحزاب ضدهم غير مكترثين بما اتفقوا عليه مع المسلمين .

فبعد انتهاء غزوة الأحزاب ورجوع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وفي نفس اليوم يأتيه الأمر من جبريل بالسير إلى بني قريظة ، وهو معهم في موكب من الملائكة لزلزلة حصونهم وقذف الرعب في قلوبهم ، فنادى النبي في أصحابه: ( لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة) رواه البخاري .


وأعطى الرسول الراية لعلي بن أبي طالب وقدمه على الجيش ، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وخرج الرسول مع المهاجرين والأنصار ، وتحرك الجيش الإسلامي وقد بلغ ثلاثة آلاف ، والخيل ثلاثين فرساً ، وفرضوا الحصار على بني قريظة في حصونهم . وقد جرت أحداث هذه الغزوة في السنة الخامسة من الهجرة .

واشتد الحصار عليهم ، ونصحهم رئيسهم كعب بن أسد بأمور منها الإسلام فلم يقبلوا منه ، ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون أبا لبابة رضي الله عنه يستشيرونه ، وقد كان حليفاً لهم ، فنصحهم بالنزول على حكم الرسول . فاستسلموا وأذعنوا وقبلوا بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر باعتقال الرجال ، وجمع النساء والذراري ، ولما طالبت الأوس بالإحسان إليهم ، حكّم فيهم رجلاً منهم وهو سعد بن معاذ الذي أصدر حكمه بأن يقتل الرجال ، وتسبى النساء ، وتقسم الأموال ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله ) متفق عليه .


وأمر رسول الله فحبست النساء ، وحفرت الخنادق للرجال الذين ضُربت أعناقهم ، وقد بلغوا من الستمائة إلى السبعمائة ، وقتل من النساء واحدة لقتلها رجلاً من المسلمين ، ولم يقتل من المسلمين غيره .

وأسلم من اليهود نفرٌ قبل النزول ، فحقنوا دمائهم وأموالهم وذراريهم . وقسم الرسول أموال بني قريظة بعد إخراج الخمس .

وبذلك تم الجلاء الثالث لليهود ، ولكنه يختلف عن سابقيه ، فقد تم جلاؤهم هذه المرة إلى الخنادق استئصالاً للغدر وأهله ، وإبعاداً للخيانة وأصحابها ، وهكذا تكون نهاية الظالمين الخائنين .

ومما يستفاد من هذه الغزوة سرعة استجابة أصحاب النبي لأمره بالخروج إلى بني قريظة . إضافة إلى عدم المعاتبة عند الاختلاف إذا كان النص يحتمل أكثر من معنى ؛ حيث إن بعض الصحابة صلى العصر في الطريق ، لأنه فهم من أمر النبي صلى الله عليه وسلم رغبته في المبادرة لا حقيقة إيقاع صلاة العصر في بني قريظة ، بينما صلى بعض الصحابة العصر في بني قريظة تمسكاً بظاهر النص ، ولم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء ولا هؤلاء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-06, 1:42 pm


مقتــل ابن أبــي الحقيــق



يوجد من الناس من تمرس على المكر والكيد والظلم والعدوان، وصار مجرم حرب لا يرجى منه خير، وهذا النوع لا يفيد معه نصح أو تخويف، فلا بد من تطهير المجتمع منه ومن شره، ففي بقائه ضرر على الناس، ومنعٌ للخير، وجلبٌ للشر.

و سلام بن أبي الحقيق - أبو رافع - هو من هذا الصنف، حيث إنه من أكابر مجرمي اليهود، الذين حزبوا الأحزاب وأعانوهم بالمؤن والأموال ضد المسلمين، وكان ممن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كثير التحريض على الدولة الإسلامية، فلا بد أن ينال عقابه ، ويحصد ما جنت يداه .

فبعد فراغ المسلمين من بني قريظة، أرادت الخزرج أن يكون لها فضل التخلص من أبي الحقيق ، كما نالت الأوس فضل التخلص من صاحبه كعب بن الأشراف .

فأرسلت الخزرج مجموعة رجال من بني سلمة بقيادة عبدالله بن عتيك قاصدين قتل أبي الحقيق وذلك بعد استئذان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في السنة الخامسة للهجرة .

وتوجه الصحابة قبل غروب الشمس من المدينة إلى حصن أبي رافع الذي كان يقبع فيه بخيبر من أرض الحجاز، فلما دنوا من الحصن، وقد غربت الشمس، وراح الناس بمواشيهم ودوابهم وأدخلوها إلى حصونهم وعادوا من الرعي، قال عبد الله بن عتيك لأصحابه رضي الله عنهم، اجلسوا مكانكم فإني منطلق ومتلطّف للبواب لعلّي أن أدخل، فأقبل عبد الله حتى دنا من الباب، وهاهنا فقد بعض اليهود من أهل الحصن حماراً لهم، فاستغل فرصة انشغال اليهود في البحث ، فقام ودخل الحصن متقنعاً، وجلس أصحابه ينتظرونه، ثم نظر في الداخل يريد مكاناً آمناً له يختبئ فيه ،فوجد مربط حمارٍ
عند باب الحصن فاختبأ فيه، ولما دخل اليهود إلى الحصن لاحظ عبد الله أين سيضع البواب المفاتيح.

فلما تيقن عبد الله من خلو المكان، أخذ المفاتيح من الموضع الذي وضعت فيه، ثم توجه إلى بيت أبي رافع ، وأخذ في فتح الأبواب التي توصل إليه، وكلما فتح بابا أغلقه من الداخل حتى انتهى إليه، فإذا هو في بيت عال من الحصن لا يصل إليه أحد إلا عن طريق السُّلم، وعندما أقبل على البيت إذا به بيت مظلم و أبو الحقيق وسط عياله، فلم يستطع عبد الله أن يعرفه إلا بعد أن ناداه، فأهوى عبد الله بالسيف نحو الصوت فلم يفلح في قتله، ثم عاد الثانية يناديه وفي كل مرة يغير صوته حتى تمكن منه وقتله دون أن يؤذي أحدا من أولاده وزوجه.

يقول عبد الله بن عتيك : فخرجت مسرعاً من داره فجعلت أفتح الأبواب باباً باباً، حتى أتيت السُلّم، فوضعت رجلي وأنا أظن أني قد انتهيت إلى الأرض، فوقعت فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامة، وقد ذكر ابن إسحاق رحمه الله أن عبد الله بن عتيك كان ضعيف البصر. وفي رواية عند البخاري : "فانخلعت رجلي"، ثم تحامل على نفسه حتى عاد إلى إخوانه، ، وعادوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبروه بالحدث ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عتيك : (ابسط رجلك ، قال : فبسطت رجلي ، فمسحها ، فكأنها لم أشتكها قط) رواه البخاري .

وفي هذا يقول شاعر الإسلام حسان بن ثابت عن مقتل أبي الحقيق يا ابن الحُقيق وأنت يا ابن الأشرف للـه در عصـابة لاقيتهـم يسرون بالبيض الخفاف إليكم مرحـاً كأُسـد فـي عرين مُغرّف حتـى أتوكم في محل بيوتكم فسقوكـم حتفـاً ببيـضٍ ذُفَّـفِ مستنصرين لنصـر دين نبيهم مستصـغرين لكـل أمـرٍ مُجحِفِ تلك هي نهاية الظالمين المعتدين، وعاقبة الخائنين الغادرين، الذين لا يجدي معهم سوى هذا النوع من العلاج، وبهذا تم التخلص من ذلك المجرم اليهودي، لعله يكون عبرة لغيره، ودرساً يستفيد منه الآخرون.




دومــة الجندل خطــر من الشـــمال



خلال السنين الخمس التي قضاها المسلمون في المدينة النبوية ، تحقّقت العديد من النتائج المهمّة ، فعلى الصعيد الداخلي تحدّدت معالم دولتهم الناشئة وتأسّست أركانها ، وعلى الصعيد الخارجي ظلّت حركة الدعوة والتوجيه مستمرّة بين القبائل طوال تلك المدّة ، في الوقت الذي أثبت المسلمون فيه كفاءتهم الحربية وقدراتهم العسكرية من خلال المعارك التي دارت بينهم وبين المشركين ، حتى استطاعوا فرض سيطرتهم على المناطق المحيطة بهم .

وفي هذه الظروف ظهر خطرٌ جديد من جهة الشمال ، في منطقة قريبة من الشام يُقال لها " دومة الجندل " ، وهي تبعد عن يثرب مسيرة ستة عشر يوما – حوالي أربعمائة وخمسين كيلومتراً - ، وتحوي على سوق كبير يقصده الناس من كلّ مكان .

وكان لموقعها أهميةٌ كبرى ، وذلك لقربها من دولة الغساسنة الموالية للروم من جهة ، ووقوعها في طريق القوافل التجارية من جهة أخرى ، مما يتيح لأهلها فرصة التّعرّض لقوافل المسلمين والاستيلاء عليها ، في ظلّ توفّر الحماية العربية والمساندة الرومية ، وما قد يترتّب عليه من زيادة الأعباء الاقتصادية لدولة المسلمين الناشئة .

وفي شهر ربيع الأوّل من السنة الخامسة للهجرة ، وصلت الأخبار إلى المدينة بتجمّع القبائل في تلك المنطقة ، واستعدادهم لمحاربة النبي – صلى الله عليه وسلم – والقضاء على دولته ، وهنا أحسّ النبي – صلى الله عليه وسلم – ببوادر فتنةٍ جديدةٍ ، فكان لابدّ من إطفائها من البداية قبل أن يعظُم خطرها .

فنادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – الناس ، وحرّضهم على القتال في سبيل الله ، مذكّرا إياهم بما أعدّه الله تعالى للمؤمنين ، فتجهّزوا للغزو ، حتى بلغ عددهم ألف مقاتلٍ، وعيّن على المدينة رجلاً لم يكن من أهلها ، وهو سباع بن عرفطة الغفاري رضي الله عنه ، وذلك لمعرفته عليه الصلاة والسلام بكفاءته وقدرته على إدارة الأمور ، ولتربية الصحابة على السمع والطاعة للأمير أيّاً كان شأنه ونسبه .



وتحرّك الجيش قاصداً " دومة الجندل " ، ومستعيناً بدليلٍ ماهرٍ يُقال له مذكور ، وطلب منه النبي - صلى الله عليه وسلم – اختيار أسلم الطرق وأبعدها عن مراقبة العدو .

وتبدو عظمة القيادة النبويّة في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم – للجيش بالمسير طوال الليل ، والتوقّف في النهار ، من أجل مفاجأة الأعداء وهم على حين غفلة .

وفوجيء المشركون بخبر وصول المسلمين ، وكان وقعه شديداً عليهم ؛ فلم يكونوا يتصوّرون أن يبادرهم النبي - صلى الله عليه وسلم – بالقدوم في الوقت الذي كانوا يخطّطون فيه لمهاجمة المدينة واستباحتها ، فأصابهم الخوف الشديد ، وبلغت قواهم المعنويّة أدنى مستوى ، مما دفعهم إلى الهروب تاركين وراءهم ديارهم وأمتعتهم .

ولم يجد المسلمون فيها أحداً سوى عددٍ قليل من الرّعاة مع ماشيتهم ، فأصابوها غنيمة سهلة . لكنّ النبي - صلى الله عليه وسلم – لم يكتف بهذا النصر ، بل بعث السرايا لتتبّع القوم ، فلم يجدوا سوى رجل ، فأسره المسلمون وأحضروه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فسأله عن قومه ، فأخبره بهروبهم ، وعرض عليه - صلى الله عليه وسلم - الإسلام ، فأسلم وحسُن إسلامه .

وبقي الجيش هناك عدّة أيّامٍ ثم عاد إلى المدينة ، وفي طريق عودته التقى عيينة بن حصن الفزاري بالنبي - صلى الله عليه وسلم – ، فاستأذنه بأن يرعى غنمه وإبله في مناطق المسلمين فأذن له .

وهكذا نجح النبي - صلى الله عليه وسلم – في هذه الغزوة ، واستطاع أن يحقّق عدداً من الأهداف المهمة ، فإضافةً إلى القضاء على شرّ أولئك الأعراب ، وحماية المدينة من الأخطار المحتملة ، كانت هذه الغزوة فرصةً للاطّلاع على طبيعة المناطق العربية في الشمال ، ومعرفة المواطن التي يمكن أن تشكّل تهديداً مستقبليّاً ، كما أنها فرصة كذلك لحرمان قريش من أيّ جهة قد تمدّ لها يد العون والمساعدة لاحقاٍ ، إضافةً إلى ما تحمله هذه المواجهة من رسالةٍ واضحةٍ إلى الروم بمدى قوّة المسلمين وقدرتهم على المواجهة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-06, 1:49 pm

غزوة بني المصطلق (المريسيع)


جرت أحداث هذه الغزوة في شهر شعبان من السنة الخامسة للهجرة، وسببها أنه لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحارث بن أبي ضرار -رأس وسيد بني المصطلق- سار في قومه وبعض من حالفه من العرب، يريدون حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ابتاعوا خيلاً وسلاحاً، وتهيّأوا للخروج، حينها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بريدة بن الحصيب الأسلمي ، ليستطلع له خبر القوم، فأتاهم حتى ورد عليهم مائهم، وقد تألبوا وجمعوا الجموع، ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه، ورجع إلى رسول الله فأخبره خبرهم، فندب رسول الله الناس، فأسرعوا في الخروج، وخرج معه سبعمائة مقاتل وثلاثون فرساً، وكان منهم جماعة من المنافقين، واستعمل على المدينة زيد بن حارثة .


وبلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول الله إليه، فخافوا خوفاً شديداً، وتفرق عنهم من كان معهم من العرب، وانتهى رسول الله إلى المريسيع وهو مكان الماء، فضرب عليه قبته، ومعه عائشة و أم سلمة ، وتهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لملاقاة القوم .

وجعل راية المهاجرين مع أبي بكر الصديق ، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة ، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فنادى في الناس: قولوا لا إله إلا الله ، تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم .


والصحيح من روايات هذه الغزوة كما يذكر الإمام ابن القيم وأهل السير أنه لم يكن بينهم قتال، وإنما أغاروا عليهم عند الماء، وسبوا ذراريهم، وأموالهم، ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيح ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارّون- أي غافلون- وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية ) رواه البخاري و مسلم .

وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث ، وهي بنت خمس وعشرين سنة.
وكان السبب في زواجه منها أنه لما قسم عليه الصلاة والسلام السبايا، وقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس ، وأرادت جويرية من رسول الله أن يقضي عنها مكاتبتها، ففعل ذلك رسول الله وتزوجها، وبسببها فك المسلمون أسراهم من قومها .


وكانت رضي الله عنها ذات صبر وعبادة، فعن ابن عباس قال: ( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند جويرية وكان اسمها برة ، فحول اسمها (إلى جويرية )، فخرج وهي في مصلاها ورجع وهي في مصلاها فقال: لم تزالي في مصلاكِ هذا، قالت: نعم، قال: قد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت لوزنتهن، سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته ) رواه أبو داود .

وكان الهدف من زواج رسول الله من جويرية بنت الحارث الطمع في إسلام قومها، وقد تحقق هذا الهدف السامي، فأعز الله المسلمين بإسلام قومها.


وكشفت هذه الغزوة حقد المنافقين على الفئة المؤمنة، فما إن علموا بأن المسلمين انتصروا في المريسيع، حتى سعوا في إثارة العصبية بين المهاجرين والأنصار، ومن تلك المواقف التي اشتهرت ما رواه جابر رضي الله عنه، حيث قال: (كنا في غزاة فكسع -وهو ضرب دبر غيره بيده أو رجله- رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمعها الله رسوله صلى الله عليه وسلم قال: ما هذا؟ فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها منتنة، قال جابر وكانت الأنصار حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ثم كثر المهاجرون بعد، فقال عبد الله بن أبي أو قد فعلوا، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، قال النبي صلى الله عليه وسلم دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ) رواه البخاري .وقد باءت محاولتهم الدنيئة هذه بالفشل، فلم يتمكنوا من فعل ما أرادوا.


ثم سعوا إلى إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه وأهل بيته، فشنوا حرباً نفسية مريرة من خلال حادثة الإفك التي اختلقوها على أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تحدثنا عن تفاصيل هذه الحادثة في مقال مستقل.

ولنا أن نستفيد من هذه الغزوة دروساً وعظات، نستخلصها من الحوادث المصاحبة لهذه الغزوة، وخاصة حادثة الإفك التي أظهرت خطر المنافقين وجرأتهم، حتى نالوا من عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ما ينبغي على المؤمن فعله عند سماع الشائعات من حفظ اللسان وعدم الخوض فيها ، يضاف إلى ذلك الصبر، وعدم التعجل في الأمور عند الابتلاء، أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما برز في هذه الغزوة خلق العفو والتسامح، وتجسد ذلك في موقفه مع اليهود وخاصة مع رأس المنافقين أبي بن سلول .


ومما يشار إليه في أحداث هذه الغزوة نزول سورة المنافقون، التي كشفت أخبار المنافقين، وأشارت إلى بعض الحوادث والأقوال التي وقعت منهم، وفضحت أكاذيبهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-06, 2:01 pm



غزوة الخندق...وعبقريّة التفكير



" حم ، لا يُنصرون " كان ذلك هو شعار المسلمين في غزوةٍ فريدة في أحداثها ووقائعها ، وفي الأطراف التي شاركت فيها ، وفي النتائج التي خرجت بها ، فهي الغزوة التي استخدم فيها المسلمون خندقاً لحماية المدينة ، وشهدت تحالفاً قويّاً بين المكر اليهوديّ والطغيان القرشيّ ، وواجه المسلمون فيها أكبر تجمّعٍ لأهل مكة ومن جاورها من القبائل العربيّة .


وقعت أحداث هذه الغزوة في شهر ذي القعدة من السنة الخامسة للهجرة ، وكان المحرّك لها يهود بني النضير بعد إجبار المسلمين لهم على الخروج من المدينة ليسكنوا أرض خيبر عقاباً على خيانتهم وغدرهم ، مما أثار في قلوبهم مشاعر الحقد والغيظ ، فأخذوا يحيكون المؤامرات والدسائس للقضاء على المسلمين ، وإنهاء سيطرتهم على المدينة .


وكان أوّل ما خطر ببالهم الاستعانة بأهل مكّة ؛ لعلمهم بإمكاناتهم العسكريّة وعلاقاتهم الواسعة بمن جاورهم من القبائل ، فانطلق وفدٌ منهم بقيادة سلام بن أبي الحقيق ، وحييّ بن أخطب ، وأبي عمّار الوائلي ، وغيرهم من قيادات اليهود ، وقاموا بتحريض قريشٍ على قتال النبي – صلى الله عليه وسلم - ، ووعدوهم بالنصرة والمساندة ، وبالغوا في مدحهم ومجاملتهم على حساب الدين حتى شهدوا بأنّ ما عليه قريش من الشرك والضلال خيرٌ وأهدى سبيلاً مما عليه المؤمنون ، فنزل القرآن مبيّناً أمرهم في قوله سبحانه : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا } ( النساء : 51 ) .


ووافق تحريض اليهود هوىً في نفوس أهل مكّة ، ورغبةً في القضاء على الوجود الإسلاميّ في المدينة ، والخروج من الضائقة الاقتصاديّة التي أصابتهم بفعل التعرّض المستمرّ لقوافلهم التجاريّة على يد الصحابة ، إضافةً إلى أنهم وجدوا في ذلك فرصةً للإيفاء بالوعد الذي قطعوه يوم أحدٍ بالعودة لقتال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - .

وهكذا التقت مصالح الفريقين ، وقامت قريش بمراسلة حلفائها من بني أسد وبني سليم وكنانة وغطفان وغيرها ، فاجتمع جيشٌ قوامه عشرة آلاف مقاتل ، وعاد الوفد اليهوديّ مسروراً بهذه الأعداد الهائلة التي سارت متّجهةً صوب المدينة .

وجاءت الأخبار إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – باقتراب الأحزاب من المدينة ، فعقد اجتماعاً عاجلاً مع كبار المهاجرين والأنصار لمناقشة ما ينبغي فعله لصدّ العدوان ، فاتفقت آراؤهم على ضرورة الخروج إلى تلك القوّات ومنعها من الوصول ، لكنّ سلمان الفارسيّ رضي الله عنه كان له رأيٌ آخر ، حيث أشار على النبي – صلى الله عليه وسلم – بحفر خندقٍ كبير كما كانوا يفعلونه في أرض فارس ، فأُعجب النبي – صلى الله عليه وسلم – بفكرته ، وأمر بحفر الخندق في شمال المدينة ، وذلك لأنّ بقيّة الجهات كانت محصّنةً بالبيوت المتقاربة والأشجار المتشابكة ، والأراضي الصخريّة ، التي تحول دون دخول المشركين وتقدّمهم .

وتمّ تقسيم المسؤولية بين الصحابة بحيث تولّى كل عشرةٍ منهم حفر أربعين ذراعاً ، ثم بدأ العمل بهمّة وعزيمة على الرغم من برودة الجوّ وقلة الطعام ، وزاد من حماسهم مشاركة الرسول – صلى الله عليه وسلم – في الحفر ونقل التراب .

وكان الصحابة رضوان الله عليهم يقضون الأوقات بترديد الأشعار المختلفة ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – يشاركهم في ذلك ، فكانوا يقولون :
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبداً

وهو يجيبهم بقوله :
اللهم إن العيش عيش الآخرة ، فاغفر للأنصار والمهاجرة

وكان – صلى الله عليه وسلم – يردّد أبيات عبدالله بن أبي رواحة رضي الله عنه :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا وثبّت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا


وقد شهدت تلك الأيام كثيراً من المعجزات ، كإخبار النبي – صلى الله عليه وسلم – بالأمور الغيبيّة ، وذلك عندما واجه الصحابة أثناء الحفر صخرةً عظيمةً لم يتمكّنوا من كسرها، فضربها النبي - صلى الله عليه وسلم – بفأسه وقال : ( بسم الله ) ، فسطع منها وميضٌ قويٌّ وانكسر ثلثها ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( الله أكبر ، أعطيت مفاتيح الشام ، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا ) ، ثم ضربها مرّة أخرى فسطع منها الوميض مرّةً أخرى وانكسر ثلثها الثاني ، فقال : ( الله أكبر ، أُعطيت مفاتيح فارس ، والله إني لأبصر المدائن ، وأُبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا ) ، وعلى إثر الضربة الثالة تحوّلت تلك الصخرة إلى فتات ، وبشّر النبي - صلى الله عليه وسلم – بوصول دعوته إلى اليمن ، وجاءت أيّام الفتح الإسلامي لتشهد على صدق تلك البشارات النبويّة .


ومن هذا الباب أيضاً ، إخباره - صلى الله عليه وسلم – بمقتل عمّار بن ياسر رضي الله عنه ، فقد ورد في صحيح البخاري وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : ( ويح عمّار ؛ تقتله الفئة الباغية ) ، وقُتل رضي الله عنه أيّام خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-06, 2:05 pm



ووقف الصحابة رضوان الله عليهم أيضاً على معجزاتٍ أخرى ، كان فيها تخفيفٌ للشدّة والجوع الذي شهدوه ، فبعد مرور ثلاثة أيّام في الحفر ونقل الحجارة وشدّة الجوع ، حتى ربط النبي - صلى الله عليه وسلم – والصحابة الحجارة على بطونهم من شدّة الجوع ، رأى جابر المعاناة في وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - فعظُم عليه ذلك ، واستأذنه في الذهاب إلى البيت ، فقصّ على زوجته ما رآه ، وطلب منها أن تصنع الطعام لضيافة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأخذت الشعير الذي ادّخرته فطحنته وصنعت منه طعاماً ، وذبح جابر رضي الله عنه عنزة كانت لديه وجعلها في القدر ، ولما نضج اللحم انطلق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – وكلّمه سرّاً بالحضور مع رجلٍ أو رجلين على الأكثر نظراً لقلّة الطعام ، فإذا بالنبي - صلى الله عليه وسلم – يصيح بأعلى صوته داعياً كل من كان في الخندق للحضور معه ، ثم أمر جابراً بعدم المساس بالطعام .

ورأت زوجة جابر جموع المهاجرين والأنصار وهي مقبلة فعاتبت زوجها ، فأخبرها أن النبي - صلى الله عليه وسلم – هو من قام بدعوتهم ، ودخل الصحابة بيت جابر رضي الله عنه ، والنبي عليه الصلاة والسلام يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ثم يغطّي القدر ، ولم يزل كذلك حتى أكلوا جميعاً وشبعوا ، وبقي شيءٌ من الطعام في القدر فكان من نصيب أهل جابر .


واكتمل بناء الخندق خلال عشرين يوماً ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم – النساء والصبيان في إحدى حصون بني حارثة لحمايتهم , ثم أمر بتنظيم دوريّاتٍ لحراسة المدينة من جميع الجهات ، وعيّن سلمة بن أسلم الدوسي رضي الله عنه لتولّي الحراسة عند الخندق، وأرسل مع زيد بن حارثة رضي الله عنه مائتي رجل لمراقبة الجهة الجنوبية .

وفي تلك الأثناء كان حيي بن أخطب من بني النضير يقوم بمهمّة خطيرة ، فقد ذهب إلى بني قريظة ليضمّهم إلى معسكره ضدّ المسلمين ، مستفيداً من موقعهم المتميّز في جنوب المدينة ، واستطاع بعد محاولات كثيرة إقناعهم في نقض عهدهم مع النبي – صلى الله عليه وسلم - ، بعد أن أغراهم بكثرة الأحزاب وقوّتها ، ووعدهم بالحماية بعد انتهاء الحرب ورحيل الجيوش .

ولما وصلت الأخبار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – بنقض بني قريظة للعهد ، أرسل سعد بن معاذ و سعد بن عبادة ومعهما عبدالله بن رواحة و خوات بن جبير رضي الله عنهم للوقوف على حقيقة الأمر ، والتأكّد من صحّة الخبر ، ولما دنوا منهم وجدوا أنّهم قد نقضوا العهد ومزّقوا الوثيقة ، وجاهروا بالسبّ والعداوة ، وأظهروا استعدادهم للحرب ، فعاد الصحابة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – مؤكّدين له غدرهم وخيانتهم .

وانتشر الخبر بين المسلمين فعظم عليهم البلاء ، وأصابهم الكرب الشديد ، فقد كانت المدينة مكشوفةً من الجنوب على بني قريظة ، وزاد من خوفهم وجود بعض النساء والذراري في حصون اليهود ، وقد وصف الله تعالى تلك اللحظات العصيبة بقوله : { إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا ، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا } ( الأحزاب : 10 – 11 ) .

وكان للمنافقين دورٌ في زيادة المحنة ، وذلك بالسخرية من المؤمنين وبثّ روح الهزمية والتخذيل فيهم ، كما قال تعالى : { وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا } ( الأحزاب : 12 ) ، واستأذن كثير منهم النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – في العودة إلى ديارهم بحجّة أنها مكشوفة للأعداء ، وغرضهم في الحقيقة إنما هو الفرار من أرض المعركة .

وأمام هذه الضغوط المتزايدة ، أراد النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يعقد مصالحة مع غطفان للعدول عن الحرب مقابل أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة ؛ فاستشار زعيمي الأوس والخزرج سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما ، فقالا : " لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان ، أفحين أكرمنا الله بالإسلام ، وهدانا له ، وأعزنا بك ، نعطيهم أموالنا ؟ والله لا نعطيهم إلا السيف " ، فاستحسن النبي – صلى الله عليه وسلم – قولهما ، وتراجع عن رأيه .

ووصلت جموع الأحزاب إلى المدينة ، ليفاجؤوا بوجود خندقٍ يحول بينهم وبين اقتحامها ، فلم يكن أمامهم سوى ضرب الحصار على المسلمين ، والبحث عن فرجةٍ تمكنهم من الدخول، لكنّ المسلمين كانوا يقظين لمحاولاتهم ، فكانوا يرمونهم بالسهام لمنعهم من الاقتراب .

واستمرّت المناوشات بين الفريقين طيلة أيام الحصار ، تمكّن خلالها خمسةٌ من المشركين من اقتحام الخندق ، فقُتل منهم اثنان وفرّ الباقون ، واستُشهد بعض المسلمين ، كان منهم سعد بن معاذ رضي الله عنه الذي أُصيب في ذراعه ، فدعا الله عزوجل أن يطيل في حياته حتى يقرّ عينه في بني قريظة ، فاستجاب الله دعاءه ومات بعد أن حكم فيهم بحكم الله .


ونظراً للضربات المتواصلة من المشركين ، اضطر المسلمون في بعض الأحيان إلى تأخير الصلاة، وربما فاتهم وقتها بالكلّية ، حتى دعا النبي – صلى الله عليه وسلم – عليهم بقوله : ( ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة حتى غابت الشمس ) رواه البخاري .

وطال الحصار ، واشتدّ البلاء ، فرفع النبي – صلى الله عليه وسلم - يديه إلى السماء وقال : ( اللهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ، اهزم الأحزاب ، اللهم اهزمهم وزلزلهم ) ، فاستجاب الله دعاء نبيّه ، وساق له الفرج من حيث لا يحتسب ، فأقبل نعيم بن مسعود الغطفاني معلناً إسلامه واستعداده لخدمة المسلمين ، وقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( إنما أنت فينا رجل واحد ، فخذّل عنّا إن استطعت ؛ فإن الحرب خدعة ) ، فذهب نعيم إلى بني قريظة واستطاع إقناعهم بضرورة أخذ رهائن من قريشِ وحلفائها تحسّباً لأي انسحابٍ مفاجيءٍ منهم ، وبذلك يضمنون استمرار الحرب ، ثم ذهب إلى قريشٍ وغطفان وأظهر لهم إخلاصه ونصحه ، وأخبرهم بندم اليهود على ما كان منهم من نقض للعهد ، وإبلاغهم النبي – صلى الله عليه وسلم – بالعزم على أخذ رهائن من قريشٍ ودفعها إليه إظهاراً لحسن نيّتهم ، وهكذا استطاع أن يزرع الشكوك بين الأطراف المتحالفة ، مما أدّى إلى تفرّق كلمتهم ، وضعف عزيمتهم .


وتم النصر للمؤمنين عندما هبّت عواصفُ شديدة اقتلعت خيام الكفّار وأطفأت نيرانهم وقلبت قدورهم ، وأنزل الله الملائكة تزلزلهم ، وتُلقي الرعب في قلوبهم ، كما قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا } ( الأحزاب : 9 ) .



وأرسل النبي – صلى الله عليه وسلم - حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يستطلع الأخبار، فرأى أبا سفيان وهو ينادي الناس بالرحيل ، فعاد حذيفة يُبشّر النبي – صلى الله عليه وسلم – بانسحاب الكفّار ، ففرح المسلمون بذلك فرحاً عظيماً ، وحمد النبي – صلى الله عليه وسلم – ربّه وقال : ( لا إله إلا الله وحده أعز جنده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ) .



وانتهت المعركة بانتصار المسلمين على الرغم من كثرة عدوّهم ، ودخل اليأس في قلوب كفّار مكّة من القضاء على دولة الإسلام ، وكشفت الغزوة عن حقيقة اليهود وحقدهم ، ومكر المنافقين وخبثهم ، وكانت سبباً في تحوّل موقف المسلمين من الدفاع إلى الهجوم حتى استطاعوا خلال سنين قليلة من فتح مكة ، وتوحيد العرب تحت راية الإسلام .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-06, 2:47 pm


بيعـــــــة الــرضـــــوان


القارئ لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتاريخ دعوة الإسلام يجد ارتباطًا وثيقًا بين أحداثها ومجرياتها، وخير ما يشهد لهذه المقولة بيعة الرضوان، إذ كانت ذات علاقة وثيقة بصلح الحديبية، وربما كانت سببًا مباشرًا لهذا الصلح، الذي كان خيرًا للمسلمين، وفتحًا مبينًا للجماعة المؤمنة. وفيما يلي شيء من تفصيل مجريات وملابسات بيعة الرضوان، ذلك الحدث الجلل في حياة الدعوة الإسلامية وتاريخها المجيد .

ذلك أنه لما استقر أمر المسلمين بالمدينة، وأسسوا دولتهم الفتية، وأخذت الأمور تسير إلى حد كبير لصالحهم، بدأت طلائع الفتح الإسلامي، ورايات الدعوة الإسلامية تبدو شيئًا فشيئًا، وبدأت التمهيدات والاستعدادات لإقرار حق المسلمين في أداء عبادتهم في المسجد الحرام، الذي كان قد صد عنه المشركون منذ ستة أعوام ‏.‏

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى في المنام، وهو بالمدينة، أنه داخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وآخذ مفتاح الكعبة، وطائف بالبيت العتيق. فأخبر بذلك أصحابه، ففرحوا بهذه الرؤية فرحًا شديدًا، وتشوَّقت نفوسهم لتلك الساعة، وحسبوا أنهم داخلو مكة خلال وقت ليس بالبعيد ‏.‏

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى إثر تلك الرؤيا المبشرة، أخبر أصحابه أنه معتمر، وطلب منهم أن يأخذوا أهبة السفر، فتجهزوا لما أمرهم به، واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم‏ .‏ وخرج قاصدًا مكة غرة ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة، وصحبته في هذا السفر زوجته أم سلمة رضي الله عنها، وكان عدد الذين خرجوا معه يريدون مكة قد قاربوا ألفًا وأربعمائة رجل، ولم يخرج معه أحد بسلاح المعركة، بل خرج الجميع بسلاح المسافر‏ فحسب ‏.

وكانت قريش لما سمعت بخروج النبي صلى الله عليه وسلم قد عقدت جلسة طارئة، لبحث الموقف وتداعياته، وخرجت من تلك الجلسة بقرار جماعي، حاصله صد المسلمين عن البيت الحرام كيفما كان، ومهما كلفها ذلك من ثمن .

ثم إن قريشًا بدأت خطواتها التنفيذية، وإجراءاتها العملية لمواجهة الموقف؛ بإرسال الرسل للمفاوضة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، عسى أن تثمر تلك المفاوضات عن ثنيه عن عزمه وقصده من دخول البيت الحرام .

ولما رأى شباب قريش الطائشون، الطامحون إلى الحرب، رغبة زعمائهم في الصلح، فكروا في خطة تحول بينهم وبين الصلح، وأخذوا زمام المبادرة، إذ إن الموقف - حسب منطق هؤلاء - لم يكن يحتمل المفاوضة، ولا يتسع للأخذ والمناورة، فقرروا - حسمًا للموقف - أن يخرجوا ليلاً، ويتسللوا إلى معسكر المسلمين، ويحدثوا أحداثًا تشعل نار الحرب، وتؤجج سعير المعركة. وفعلاً قاموا بتنفيذ هذا القرار، واتخذوا خطوات عملية وميدانية في هذه الاتجاه، فخرج منهم سبعون أو ثمانون رجلاً ليلاً، وهبطوا من جبل التنعيم، وحاولوا التسلل إلى معسكر المسلمين .

بيد أن عيون المسلمين كانت لهم بالمرصاد، فحالما تسلل أولئك النفر إلى المكان الذي كان ينـزل فيه المسلمون اعتقلوا جميعًا، وفشلت محاولتهم التي كانوا يرمون إليها، وأخذوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقرر في أمرهم ما يراه مناسبًا للموقف ‏.‏

ورغبة منه صلى الله عليه وسلم في الصلح، وتمشيًا مع القصد الذي خرج صلى الله عليه وسلم لأجله، فقد أطلـق سراحهم وعفا عنـهم، وفي ذلك أنزل الله‏ قوله الكريم:‏ ‏{‏ وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ‏}‏ ( ‏الفتح‏: 24 ) . ‏

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يبلغ قريشًا موقفه وهدفه وغايته من هذا السفر؛ فعزم على أن يبعث إليها سفيراً يؤكد لها موقفه ذلك، فانتدب عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليرسله إليهم، فاعتذر عمر رضي الله عنه قائلاً‏:‏ يا رسول الله، ليس لي أحد بمكة من بني عدي بن كعب ، يغضب لي إن أوذيت، فأرسلْ عثمان بن عفان ، فإن عشيرته بها، وإنه مبلِّغ ما أردت. فدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه، وأرسله إلى قريش، وقال‏:‏ أخبرهم أنا لم نأتِ لقتال وحرب، وإنما جئنا عُمَّارًا - أي: نبتغي العمرة - وادعهم إلى الإسلام، وأمره أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين، ونساء مؤمنات، فيبشرهم بالفتح، ويخبرهم أن الله عز وجل مظهر دينه بمكة، حتى لا يستخفي فيها أحد بالإيمان ‏.‏

فانطلق عثمان رضي الله عنه لما وجَّهه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتى قريشًا، وبلَّغ زعماءها الرسالة التي حمَّله إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ من إبلاغ رسالته، عرضوا عليه أن يطوف بالبيت، فرفض هذا العرض، وأبي أن يطوف إلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ .‏

فلما رأت قريش هذا الموقف من عثمان رضي الله عنه، وهو موقف لم يَرُقْ لها بحال، لجأت إلى أسلوب الضغط والتهديد، فاحتبست عثمان عندها - ولعلها أرادت من وراء هذه الخطوة، أن تتشاور فيما بينها في الوضع الراهن، وتبرم أمرها. أو لعلها أرادت أن تتخذ من عملية اعتقال عثمان رضي الله عنه ورقة ضغط في وجه المسلمين - وأشاعت خبر ذلك بين المسلمين، وطال احتباس عثمان رضي الله عنه، حتى شاع بين المسلمين أنه قتل. فلم بلغ خبر تلك الإشاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ ‏( ‏لا نبرح حتى نناجز القوم ‏)‏ ثم دعا أصحابه إلى البيعة، فثاروا إليه يبايعونه على ألا يفروا، وبايعته جماعة على الموت، وأول من بايعه أبو سنان الأسدي، وبايعه سلمة بن الأكوع على الموت ثلاث مرات، في أول الناس ووسطهم وآخرهم، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد نفسه وقال‏:‏ ‏(‏ هذه عن عثمان ‏)‏‏.‏ ولم يتخلف عن هذه البيعة إلا رجل من المنافقين يقال له‏:‏ جَدُّ بن قَيْس .

وقد ذكر القرآن الكريم خبر هذه البيعة، ومدح أصحابها، ورضا الله عنهم، قال تعالى في ذلك: { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا } (الفتح: 18 ) ولأجل ما ذكر الله، سميت هذه البيعة ( بيعة الرضوان ) وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه البيعة من صحابته رضوان الله عليهم تحت شجرة، وكان عمر رضي الله عنه آخذًا بيده، و مَعْقِل بن يسار آخذًا بغصن الشجرة، يرفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد ذكرت كتب السيرة خبر هذه البيعة بطرق متعددة، وبألفاظ متقاربة؛ من ذلك ما رواه الطبري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، قال: بينما نحن قافلون من الحديبية، نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس، البيعة البيعة ! نزل روح القدس. قال: فسرنا إلى رسول الله، وهو تحت شجرة سمرة، قال: فبايعناه، قال: وذلك قول الله تعالى: { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } فأخبر سبحانه نبيه أنه قد رضي عن أصحابك المؤمنين، لمبايعتهم إياك على الجهاد، ومواجهة قريش في موقفها العنيد، وعلى أن لا يفروا ولا يولوهم الأدبار، مهما كلفهم ذلك من التضحيات .

وكان أول من بايع بيعة الرضوان رجل يقال له أبو سنان ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أبسط يديك حتى أبايعك، فقال: على ماذا، قال: على ما في نفسك، قال: وما في نفسي، قال: الفتح أو الشهادة. فبايعه، وكان الناس يجيئون فيقولون: نبايع على بيعة أبي سنان .

قال ابن اسحاق صاحب السيرة: فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها، إلا الجد بن قيس ، أخو بني سلمة، قال: كان جابر بن عبد الله رضي الله عنه، يقول: لكأني أنظر إليه، لاصقًا بإبط ناقته، قد ضبأ ( أي: لصق بها واختبأ ) إليها، يستتر بها من الناس .

ولما تمت البيعة المرضية، رجع عثمان رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له بعضهم: اشتفيت يا أبا عبد الله من الطواف بالبيت؟ فقال: بئس ما ظننتم بي، والذي نفسي بيده لو مكثت بها سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم بالحديبية ما طفت بها، حتى يطوف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقد دعتني قريش إلى الطواف بالبيت فأبيت، فقال المسلمون: رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أعلمنا بالله، وأحسننا ظنًا .

وقد ثبت في صحيح الحديث - ناهيك على ما جاء في القرآن - الشهادة بالجنة لجميع من شهد بيعة الرضوان عام الحديبية؛ فعن أم مبشر رضي الله عنها: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة رضي الله عنها: ( لا يدخل النار - إن شاء الله - من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها ، قالت: بلى يا رسول الله، فانتهرها، فقالت حفصة : { وإن منكم إلا واردها } (مريم:71) فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد قال الله عز وجل: { ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا } (مريم:72) رواه مسلم ، وفي "سنن" أبي داود : ( لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة ) وفي "المصنف" ل ابن أبي شيبة ،قال: السابقون الأولون، من أدرك بيعة الرضوان. وقد وعد سبحانه هؤلاء بالجنة، قال الله تعالى: { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم } (التوبة:100) .

وعلى العموم، فإن وقائع هذه البيعة تفيد العديد من العبر، ويُستنتج منها الكثير من الفوائد، وهاك بعضًا من ذلك:

- صحة إيمان الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، وصدق بصائرهم, وأنهم كانوا مؤمنين على الحقيقة أولياء لله; إذ من غير الجائز أن يخبر الله برضاه عن قوم بأعيانهم، إلا وباطنهم كظاهرهم في صحة البصيرة، وصدق الإيمان, وقد أكد ذلك المعنى سبحانه، بقوله: { فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم } (الفتح: 18 ) وهذا يدل دلالة واضحة على أن التوفيق والتسديد والتأييد مصاحب وملازم لمن صَدَق النية مع الله, وهذا الملحظ في معنى قوله تعالى: { إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما } (النساء:35) .

- كانت تلك البيعة مقدمة وتمهيدًا وسببًا مباشرًا لإبرام صلح الحديبية، ذلك الصلح الذي كان فتحًا مبينًا، وكسبًا عظيمًا للمسلمين. فعندما علمت قريش بتلك البيعة، ومدى صلابة المسلمين في موقفهم، وقوتهم، وصبرهم، وثباتهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، علمت أن ذلك هو الحق، فأرسلت إلى المسلمين فريقًا للتفاوض معهم، وإبرام الصلح .

- ومما يستفاد من هذه الحادثة قوة العلاقة والترابط والتلاحم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام؛ إذ إنهم بايعوه على الثبات والمصابرة وعدم التولي، ومواجهة الموقف بكل ما يقتضيه من إيمان وإخلاص؛ يتجلى ذلك في سرعة استجابة الصحابة لما دعاهم إليه رسول الله، ومسارعتهم لتلبية متطلبات ومستحقات الإيمان بالله، وبرسالة نبيه عليه الصلاة والسلام، إذ إن الصدق في الإيمان سبيل إلى تحصيل رضا الرحمن أولاً، وهو طريق أيضًا لحصول نصره وتأييده { ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز } (الحج:40) .

- على أن من الدلالات المهمة في هذه البيعة، والتي تدل على كل ما سبق وتدعمه، ما يستفاد من مواقف الصحابة رضوان الله عليهم من رسولهم صلى الله عليه وسلم، فيما ذكره أصحاب السِّيَر من أن عروة - وهو أحد أعضاء وفد قريش، الذين ذهبوا للمفاوضة والمصالحة - وكان قد رجع إلى أصحابه يصف لهم ما رأى، قال: أي قوم !! والله لقد وفدت على الملوك، على كسرى و قيصر والنجاشي ، والله ما رأيت ملكًا يعظمه أصحابه، ما يعظم أصحاب محمد محمدًا، والله إن تنخَّم نخامة، إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدِّون إليه النظر تعظيما له. وفي فعل الصحابة هذا على ما وصف عروة ما يدل على أنه لا إيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم دون محبة له، وأن هذه المحبة ليست معنى عقلانيًا مجردًا، وإنما هي أثر ملموس، وسلوك مشهود، يستحوذ على القلب، فيطبع صاحبه، بمثل الطابع الذي وصف به عروة بن مسعود أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .


ومما يتصل بهذا الحدث، ويحمل من الدلالة ما يحمل، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في "الصحيحين" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: ( أنتم خير أهل الأرض ) قال جابر - وكان قد كفَّ بصره -: ولو كنت أبصر اليوم، لأريتكم مكان الشجرة .



وقد قُطعت هذه الشجرة ونسي مكانها، وكان في ذلك خير للمسلمين؛ إذ لو بقيت إلى اليوم، لشُدت إليها الرحال، ولضُربت عليها القباب، ولظن الناس فيها الظنونا، ولربما كانت قِبلة لبعض الجهال، ولكن الله { غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون } .


عدل سابقا من قبل أسيرة المستحيل في 2008-08-12, 3:24 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-06, 6:19 pm



صلح الحديبيــــة وشــــــروطه


لم تخمد مشاعر المسلمين في المدينة شوقاً إلى مكة ، التي حيل بينهم وبينها ظلماً وعدواناً ، وما برحوا ينتظرون اليوم الذي تُتاح لهم فيه فرصة العودة إليها والطواف ببيتها العتيق ، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي برز فيه النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه ليخبرهم برؤياه التي رأى فيها دخوله لمكة وطوافه بالبيت ، فاستبشر المسلمون بهذه الرؤيا لعلمهم أن رؤيا الأنبياء حق ، وتهيّؤوا لهذه الرحلة العظيمة .

وفي يوم الإثنين خرج الرسول صلى الله عليه وسلم ، يريد العمرة ومعه ألف وأربعمائة من الصحابة ، وليس معهم إلا سلاح السفر ، فأحرموا بالعمرة من ذي الحليفة ، فلما اقتربوا من مكة بلغهم أن قريشاً جمعت الجموع لمقاتلتهم وصدهم عن البيت .


فلما نزل الرسول بالحديبية أرسل عثمان رضي الله عنه إلى قريش وقال له : أخبرهم أنا لم نأت لقتال ، وإنما جئنا عماراً ، وادعهم إلى الإسلام ، وأَمَرَه أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات ، فيبشرهم بالفتح ، وأن الله عز وجل مظهر دينه بمكة ، حتى لا يستخفى فيها بالإيمان . فانطلق عثمان ، فمر على قريش ، فقالوا : إلى أين ؟ فقال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام ، ويخبركم : أنه لم يأت لقتال ، وإنما جئنا عماراً . قالوا : قد سمعنا ما تقول ، فانفذ إلى حاجتك .

ولكن عثمان احتبسته قريش فتأخر في الرجوع إلى المسلمين ، فخاف الرسول صلى الله عليه وسلم عليه ، وخاصة بعد أن شاع أنه قد قتل ، فدعا إلى البيعه ، فتبادروا إليه ، وهو تحت الشجرة ، فبايعوه على أن لا يفروا ، وهذه هي بيعة الرضوان التي أنزل الله فيها قوله : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } (سورة الفتح 18) .

وأرسلت قريش عروة بن مسعود إلى المسلمين فرجع إلى أصحابه ، فقال : أي قوم ، والله لقد وفدت على الملوك - كسرى ، وقيصر والنجاشي- والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً . والله ما انتخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمر ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم ، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له ، ثم قال : وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها .

ثم أسرعت قريش في إرسال سهيل بن عمرو لعقد الصلح ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : قد سهل لكم أمركم ، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل ، فتكلم سهيل طويلاً ثم اتفقا على قواعد الصلح ، وهي :

الأولى : رجوع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من عامه وعدم دخول مكة ، وإذا كان العام القادم دخلها المسلمون بسلاح الراكب ، فأقاموا بها ثلاثاً .

الثانية : وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين ، يأمن فيها الناس .

الثالثة : من أحب أن يدخل في عقد مع محمد وعهده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد مع قريش وعهدهم دخل فيه .

الرابعة : من أتى محمداً من قريش من غير إذن وليه رده إليهم ، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يرد إليه .



ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : هات اكتب بيننا وبينك كتاباً ، فدعا الكاتب -وهو علي بن أبي طالب - فقال : اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل : أما الرحمن ، فما أدري ما هو ؟ ولكن اكتب : باسمك اللهم كما كنت تكتب . فقال المسلمون : والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال صلى الله عليه وسلم : اكتب : باسمك اللهم ، ثم قال : اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقال سهيل : والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال : إني رسول الله ، وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله، ثم تمت كتابة الصحيفة ، ودخلت قبيلة خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخلت بنو بكر في عهد قريش .


فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل ، وقد خرج من أسفل مكة يرسف-يمشي مقيداً- في قيوده ، حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين ، فقال سهيل : هذا يا محمد! أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنا لم نقض الكتاب بعد، فقال : إذاً والله لا أصالحك على شئ أبداً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فأجزه لي، قال : ما أنا بمجيزه لك . قال : بلى، فافعل، قال : ما أنا بفاعل . قال أبو جندل : يا معشر المسلمين ! كيف أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً؟ ألا ترون ما لقيت ؟ -وكان قد عذب في الله عذاباً شديداً- قال عمر بن الخطاب : والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ . فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ! ألست نبي الله ؟ قال : بلى، قلت : ألسنا على الحق ، وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى . قلت : علام نعطى الدنية في ديننا ؟ ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبين أعدائنا ؟ فقال : إني رسول الله ، وهو ناصري ، ولست أعصيه . قلت : ألست كنت تحدثنا : أنا نأتي البيت ، ونطوف به . قال : بلى ، أفاخبرتك أنك تأتيه العام ؟ قلت : لا، قال : فإنك آتيه ومطوف به . قال : فأتيت أبا بكر ، فقلت له مثلما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورد علي كما رد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء ، وزاد : فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق .


فلما فرغ من قضية الكتاب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : قوموا فانحروا، ثم احلقوا، وما قام منهم رجل ، حتى قالها ثلاث مرات . فلما لم يقم منهم أحد ، قام ولم يكلم أحداً منهم حتى نحر بدنه ودعا حالقه . فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً . ثم جاء نسوة مؤمنات ، فأنزل الله : {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} (سورة الممتحنة 10) . وفي مرجعه صلى الله عليه وسلم : أنزل الله سورة الفتح : {إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } الآية ، فقال عمر : أو فتح هو يا رسول الله ؟ قال : نعم ، قال الصحابة : هذا لك يا رسول الله ، فما لنا ؟ فأنزل الله : { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} الآيتين إلى قوله : {فوزا عظيما} (سورة الفتح 1-5) .

ولما رجع إلى المدينة جاءه أبو بصير -رجل من قريش- مسلماً ، فأرسلوا في طلبه رجلين ، وقالوا : العهد الذي بيننا وبينك ، فدفعه إلى الرجلين ، فخرجا به ، حتى بلغا ذا الحليفة . فنزلوا يأكلون من تمر لهم . فقال أبو بصير لأحدهما: إني أرى سيفك هذا جيداً. فقال: أجل ، والله إنه لجيد ، لقد جربت به ثم جربت ، فقال : أرني أنظر إليه ، فقتله بسيفه ، ورجع أبو بصير إلى المدينة ، فقال : يا نبي الله ! قد أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم فأنجاني الله منهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : ويل أمه مسعر حرب ، لو كان له أحد . فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم ، فخرج حتى أتى سيف البحر، وتفلت منهم أبو جندل ، فلحق بأبي بصير ، فلا يخرج من قريش رجل -قد أسلم- إلا لحق به ، حتى اجتمعت منهم عصابة . فما سمعوا بعير لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها ، فقاتلوهم وأخذوا أموالهم ، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم أن أتاه منهم فهو آمن .

وكان هذا الصلح فتحاً عظيماً ، ونصراً مبيناً للمسلمين ، وذلك لما ترتب عليه من منافع عظيمة ؛ حيث اعترفت قريش بالمسلمين ، وقوتهم ، وتنازلت عن صدارتها الدنيوية وزعامتها الدينية ، فلا عجب إذاً أن يسمّيه الله تعالى فتحا مبينا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-06, 6:22 pm



من الحديبيـــة إلى تبــــوك

الكتب والرســـــائل



أتاح صلح الحديبية بين المسلمين وقريش فرصة عظيمة للمسلمين للتوجه نحو النشاط الدعوي ، وبداية مرحلة جديدة ، وهي توسيع رقعة الدعوة الإسلامية ، ونقل تعاليم ومباديء هذا الدين إلى أكبر شريحة من الناس عن طريق مخاطبة ملوكهم وأمرائهم .


وقد بدأت هذه المرحلة منذ أواخر السنة السادسة للهجرة ؛ حين انطلقت مواكب الرسل تحمل الخير ونور الهداية ، من خلال رسائل وخطابات مختومة بختم النبي صلى الله عليه وسلم ، وموجهة إلى الزعماء ، يدعوهم فيها إلى الإسلام ، لينالوا ملك الدنيا والآخرة ، ويسعدوا بالسعادة الحقيقية ، التي لا تكون إلا بالعبودية لله بحق ، والبعد عن عبادة غيره ، أو الإشراك به .


فتوجهت الكتب والرسائل إلى النجاشي ملك الحبشة ، وإلى المقوقس ملك مصر ، وإلى كسرى ملك فارس ، وإلى قيصر ملك الروم ، وإلى المنذر بن ساوى حاكم البحرين ، وإلى هوذة بن علي صاحب اليمامة ، وإلى الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق ، وإلى ملك عُمان جيفر بن الجلندي وصاحبه عبد بن الجلندي الأزدي .



واختار النبي صلى الله عليه وسلم لهذه المهمّة عددا من خيرة أصحابه ، كان منهم عبدالله بن حذافة السهمي ، و عمرو بن أمية الضمري ، و دحية بن خليفة الكلبي ، و شجاع بن وهب ، و حاطب بن أبي بلتعة ، رضي الله عنهم أجمعين .



وحين نستعرض سير هذه الثلّة ندرك أن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عشوائياً ، بل كان قائما على أسس ومواصفات ارتأى النبي صلى الله عليه وسلم توفّرها فيمن أراد أن يقوم بتلك المهمّة الحساسة ، فإنهم باديء ذي بدء دعاة توفّر لديهم العلم الشرعي ، ثم إنهم كانوا على قدر كبير من طلاقة اللسان وحسن البيان ، وقد ضمّوا إلى ذلك جمالا في المظهر يعطي انطباعا حسناً لمن يلقاهم – كما هو الحال عند دحية الكلبي رضي الله عنه - ، وأخلاقا رفيعة وحكمة وحسن تصرّف ، وسرعة بديهة يتطلبها الحوار مع الساسة والقادة .



وكانت تلك الخطابات تحمل في طيّاتها الرأفة ومحبة الخير والهداية لهم ، فقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على إسلامهم حرصه على بلوغهم الدعوة .

ونستطيع أن نلمس ذلك من خلال الرجوع إلى مضامين تلك الرسائل ، فلما كان " هرقل " عظيم الروم و" المقوقس " عظيم الأقباط ممن يدينان بالنصرانية المحرّفة التي تغلو في المسيح عيسى عليه السلام وترفعه إلى درجة الألوهية ، نرى التنصيص على عبودية الناس عموما والرسل خصوصاً لله رب العالمين ، وتأكيدا لذلك أورد في كلا الرسالتين قوله تعالى : { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } ( آل عمران : 64 ) ، وفي المقابل كان " كسرى " وقومه ممن يعبدون الشمس والنار ، فحرص النبي صلى الله عليه وسلم على تصحيح هذا المفهوم من خلال إيراده لحقيقة التوحيد في ثنايا رسالته .


ومع ذلك تبقى الهداية فضلاً من الله يؤتيه من يشاء ، ويمنعه عمن يشاء ، فآمن بعض الملوك ، واتبع الهدى ، فأنقذ نفسه وقومه من ظلمات الكفر ، وكان من هؤلاء المنذر بن ساوى ملك البحرين ، وجيْفر بن الجلندي وهبد بن الجلندي صاحبي عمان ، وبقي البعض على الكفر يتخبّط في ظلامه ، طمعاً في جاهٍ زائل ، أو حرصاً على دنيا فانية ، أو خوفاً من حاشيته وقومه : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين } (القصص : 56) .



وبهذه الخطوة نقل النبي صلى الله عليه وسلم دعوته المباركة إلى ملوك الأرض ، وعرفهم بالدين الجديد الذي يكفل لأتباعه سعادة الدارين ، وفي هذا أعظم دلالة على عالمية الدعوة وشموليتها زمانا ومكانا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-07, 1:24 pm



غــــــــزوة الغابـــــــــــة


تعقب القراصنة ، ومطاردتهم ، وإيقافهم عند حدهم ، أمر لا بد منه لاستتاب الأمن ونشر السلام ، وهذا ما كان يسعى إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، خاصة مع الأعراب ، والقبائل التي اعتادت القرصنة والاعتداء على حقوق الآخرين .

ويأتي في مقدم ذلك ، غزو الرسول صلى الله عليه وسلم لقومٍ من بني غطفان فيما عُرف بغزوة الغابة ، إشارةً إلى موضعٍ قرب المدينة من ناحية الشام ، كانت ترعى فيه إبل النبي صلى الله عليه وسلم ، وتُعرف هذه الغزوة أيضا بغزوة ذي قرد كما جاء في صحيح البخاري .

والحاصل أن هذه الغزوة كانت قبل فتح خيبر بثلاث ليالٍ ، حينما أوكل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذر بن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أمر تلك الإبل ، فقام عيينة بن حصن الفزاري - وفي رواية : عبدالرحمن بن عيينة - بالإغارة ليلاً على تلك الإبل فأخذها ، وقتل راعيها ، وسبى امرأته .

وعندما أُذّن لصلاة الفجر ، أسرع غلامٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ليخبره بما فعلته هذه العصابة في إبل المسلمين ، فما كان من سلمة إلا أن ارتقى مرتفعاً من الأرض ليصرخ بأعلى صوته ؛ مستنجداً بالمسلمين كي يهبوا للذود عن أملاكهم ، وقد جاء في رواية البخاري : " فصرخت ثلاث صرخات : يا صباحاه ، فأسمعت ما بين لابتي المدينة " .



فلما بلغ الخبر رسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، تأهب هو وأصحابه للجهاد ، ونودي : يا خيل الله اركبي ، وكان أول ما نودي بها ، فكانت هذه الغزوة ، وهي أول غزوة بعد الحديبية وقبل خيبر .

وركب رسول الله مقنعاً في الحديد ، فكان أول من قدم إليه المقداد بن عمرو في الدرع والمغفر ، فعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء في رمحه ، وقال امض حتى تلحقك الخيول ، إنا على أثرك ، واستخلف رسول الله ابن أم مكتوم على المدينة .

وكان أسرع القوم انطلاقا إلى أولئك الأعراب سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ، إذ تذكر روايات السيرة انطلاقه مسرعاً إلى القوم بمجرّد أن استصرخ بالمسلمين ، كما تشير مصادر السيرة إلى أنه كان أسرع الناس عدواً ، حتى إنه لحق القوم على رجليه ، فأدركهم وهم يستقون الماء ، فجعل يرميهم بالنبل ، وكان رامياً ، ويقول : " خذها وأنا ابن الأكوع ، واليوم يوم الرضع " يعني : واليوم يوم هلاك اللئام .

ولم يزل يرميهم ويثخنهم بالجراح حتى ألجأهم إلى مضيقٍ في الجبل ، فارتقى سلمة الجبل وجعل يرميهم بالحجارة فانطلقوا هاربين ، ولما اشتدّ بهم العطش قصدوا ماءً ليشربوا منها ، فمنعهم سلمة بسهامه ، وهكذا توالت سهامه عليهم حتى ألقوا بالكثير من متاعهم التي أثقلتهم عن الهروب ، وكانوا كلما ألقوا شيئا وضع عليه علامة كي يعرفها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، واستمر على ذلك طيلة اليوم حتى استنقذ منهم بعض الإبل ، وثلاثين بردة .

ثم لحق الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه بسلمة بن الأكوع في المساء ، واستمر مجئ الإمداد من المدينة ، ولم تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم وعلى الإبل ، حتى انتهوا إلى رسول الله بذي قرد، فلما رآهم القوم فروا هاربين ، واستعاد المسلمون الإبل كلها ، كما ثبت في الصحيحين .



وأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة على بعض أصحابه كما في صحيح مسلم، فقال: (خير فرساننا اليوم أبوقتادة ، وخير رجالتنا سلمة ) ، وأعطى سلمة سهمين ، سهم الفارس وسهم الراجل ، وأردفه وراءه على العضباء في الرجوع إلى المدينة ، وذلك لما امتاز به سلمة رضي الله عنه في هذه الغزوة .

ويستفاد من هذه الغزوة عدة دروس ، أبرزها : شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسرعة نجدته، ومبادرة الصحابة عند النداء للجهاد ، إضافة إلى تفانيهم في ذلك حتى إنّ بعضهم طارد أولئك المشركين على قدمه ، ومن الدروس إكرام الرسول لأصحاب الهمم العالية ، والتضحيات البارزة ، وكان ذلك قولاً وفعلاً ، ويؤخذ منها تأييد الرسول للتسابق بين أصحابه ؛ حيث طلب سلمة مسابقة أحد الأنصار في طريق عودتهم إلى المدينة فأجابه ، في مشهد جمع بين الشجاعة والقوة ، والمرح واللهوء البريء ، فرضي الله عن الصحابة أجمعين .




عمــــرة القضــــــــااء


أبرم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلح الحديبيَّة مع قريش في أواخر سنة ست للهجرة، على مشهد من الصحابة رضي الله عنهم واستغراب من بعضهم؛ لما تضمنته بنود ذلك الصلح من فقرات بدت للوهلة الأولى أنها ليست في صالح المسلمين.

وكان مما جرى في أثناء هذا الصلح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أَوَ لستَ كنتَ تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ فأجابه: ( بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا؟ قال: لا. قال: فإنك آتيه ومطوّف به) .

وبالفعل فقد صدق الله رسولَه بما وعد به صحابته، وكتب الله له ولصحابته دخول البيت والطواف به، وأنزل الله بذلك قرآنًا يتلى فقال تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا} (الفتح:27).

وتذكُر كتب السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في ذي القعدة من السنة السابعة قاصدًا مكة، وهو الشهر الذي صدَّه فيه المشركون عن دخولها، فاعتمر عمرة القضاء، وتحدثت قريش فيما بينها أن محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه في عسرة وجَهْد وشدة، فصفَّ له المشركون عند دار الندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد اضطبع بردائه ثم قال: ( رحم الله امرأً أراهم اليوم من نفسه قوة ) . ثم استلم الركن وخرج يهرول هو وأصحابه.

ولما مضى على دخوله صلى الله عليه وسلم مكة ثلاثة أيام - وهي المدة التي تم الاتفاق عليها مع قريش - أتوا عليًّا رضي الله عنه فقالوا: قل لصاحبك اخرج عنَّا فقد مضى الأجل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم منصرفًا إلى المدينة.

لقد كانت عمرة القضاء تصديقًا إلهيًّا لما وعد الله به نبيه عليه الصلاة والسلام من دخول مكة والطواف بالبيت الحرام، وكانت كذلك تصديقًا لما وعد به النبي صلى الله صحابته الكرام. وكانت العمرة تمهيداً لفتح مكة فيما بَعْدُ. وبيان ذلك: أن مشاهدة قريش للعدد الوفير من الأنصار والمهاجرين وهم محدقون برسول الله صلى الله عليه وسلم في طوافهم وسعيهم وباقي مناسكهم، وما كانوا عليه من حماس ونشاط، لم يكن يتوقعه المشركون، أقول: كان لذلك أبلغ الأثر في نفوسهم، فقد داخلتها الرهبة والهيبة للمسلمين، إذ فوجئوا بأمر لم يكونوا يألفوه، بل لم يكونوا يتوقعوه، يُرشد لهذا المعنى ما رواه مسلم في "صحيحه" عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المشركين لما رأوا رمَل المسلمين (والرَمَل هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخُطا) حول الكعبة قال بعضهم لبعض: "هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم ؟! هؤلاء أجلد من كذا وكذا". فلا جرم أن كان لعمرة القضاء - بالشكل الذي تمت به - أثر بالغ في نفوس المشركين، مهَّد لفتح مكة فيما بَعْدُ .

ومن الدلالات التي نخرج بها من هذا الحدث أهمية إعداد المسلمين في كل عصر ومصر للقوة اللازمة، القوة المعنوية والقوة المادية على حد سواء، وإبرازها في الوقت المناسب ليكون للمسلمين هيبة ورهبة في قلوب أعدائهم المتربصين بهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-07, 1:36 pm



أهم الأحداث بين عمــــرة القضـــاء وغـــــزوة مؤتــــــة




بين عمرة القضاء وغزوة مؤتة أيام قليلة ، ولكنها لم تخل من أحداث مهمّة ومواقف مشهودة في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – خاصة ، وحياة المسلمين عامة.


فبعد عمرة القضاء التي كانت في شهر ذي القعدة من السنة السابعة للهجرة ، وما تحقّق خلالها من معاني العزة والكرامة ، جاءت الأحداث التالية :

الزواج من أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث

بمجرّد أن انتهى النبي – صلى الله عليه وسلم – من مناسك الإحرام تقدّم للزواج من ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها وهو بمكّة ، فأوكلت رضي الله عنها أمر زواجها للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وبذلك تكون ميمونة رضي الله عنها آخر من تزوّج بهنّ النبي – صلى الله عليه وسلم .



وقد أراد النبي – صلى الله عليه وسلم – من زواجه هذا أن يكون حلقة وصلٍ بينه وبين أهل مكّة ، لكنّهم منعوه من المكوث في الحرم بعد انقضاء المهلة التي اتفقوا عليها وقالوا : "إنه قد انقضى أجلك فاخرج عنا " ، فقال لهم : ( وما عليكم لو تركتموني ، فأعرست بين أظهركم فصنعت لكم طعاما ، فحضرتموه ؟ ) ، فقالوا له : " لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا " ، رواه الحاكم وصحّحه ووافقه الذهبي .



فخرج النبي – صلى الله عليه وسلم من مكّة ، وبنى بميمونة رضي الله عنها في موضع يُقال له " سرف " ، وهو ذات الموضع الذي توفّيت فيه ، فرضي الله عنها وأرضاها .



لحوق بنت حمزة بن عبد المطلب بركب المسلمين


كان لحمزة رضي الله عنه بنت تقيم في مكة يُقال لها عمارة ، وعندما أنهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عمرته وتوجّه إلى المدينة لحقته عمارة وقامت تناديه ، فأدركها ابن عمّها علي بن أبي طالب رضي الله عنها وسلّمها لفاطمة عليها السلام وقال : " دونك ابنة عمك فاحمليها " ، فاختصم في شأنها علي وزيد وجعفر رضي الله عنهم كلّهم يريد رعايتها وتولّي شؤونها ، فقال علي : " أنا أحق بها ، وهي ابنة عمي " ، وقال جعفر : " ابنة عمي وخالتها تحتي " ، وقال زيد : " ابنة أخي " ، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال : ( الخالة بمنزلة الأم ) ، ثم أراد تطييب خاطر الثلاثة فقال لعلي : ( أنت مني وأنا منك ) ، وقال لجعفر : ( أشبهت خَلقي وخُلُقي ) ، وقال لزيد : ( أنت أخونا ومولانا ) رواه البخاري .



إسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة


من النتائج العظيمة التي أفرزتها عمرة القضاء إسلام ثلاثة من خيرة فتيان قريشٍ وأشرافها ، فقد أسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه ، القائد المظفّر الذي لم يهزم في معركة طيلة حياته ، وأسلم عمرو بن العاص داهية العرب وخيرة فرسانها ، وأسلم معهما أيضاً عثمان بن طلحة حارس الكعبة المشرّفة ، فكان ذلك الحدث يوم فرح للمسلمين .



وقد هيّأ الله تعالى أسباب إسلام هؤلاء الثلاثة مبكّراً ، فبعد غزوة الأحزاب جمع عمرو بن العاص رضي الله عنه عدداً من أصحابه ، وأشار عليهم بالرحيل إلى النجاشي حتى يروا ما يؤول إليه أمر المسلمين ، فإن انتصروا على قريشٍ عاشوا في الحبشة ما بقي من عمرهم ، وإن هزمتهم قريش عادوا إلى بلادهم ، فاستحسن أصحابه رأيه ، فتجهّزوا للرحيل ولم ينسوا هداياهم إلى ملك الحبشة .



وبينما هم في الغربة إذ قدم عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه إلى النجاشي يسأل عن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه ، فرأى عمرو بن العاص رضي الله عنه أنها فرصة سانحة للقضاء عليه ، فدخل على النجاشي وسأله أن يمكّنه من قتل ابن أمية ، فغضب الملك غضباً شديداً وضرب ابن العاص في أنفه حتى كاد أن يكسره ، فقال له : " أيها الملك ، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه " ، فأجابه الملك : " أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله ؟ " ، فتعجّب عمرو رضي الله عنه وقال : " أيها الملك ، أكذاك هو ؟ " ، فقال له : " ويحك يا عمرو ، أطعني واتّبعه ؛ فإنه والله لعلى الحق ، وليظهرنّ على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده " ، عندها شرح الله صدره بالإسلام ، وطلب من النجاشي أن يبايعه على الإسلام ، فبايعه .



وكتم عمرو بن العاص رضي الله عنه خبر إسلامه عن أصحابه ، وعاد إلى مكّة ، حتى رجع النبي – صلى الله عليه وسلم – من عمرة القضاء ، فخرج رضي الله عنه يريد اللحاق بالنبي عليه الصلاة والسلام وإعلان إسلامه ، وفي طريقه لقي خالد بن الوليد و عثمان بن طلحة رضي الله عنهم واتفقوا على السير سويّاً ، وقد عبّر خالد عن قناعته بالإسلام قائلاً : " والله لقد استقام المنسم – يعني تبيّن الطريق - ، وإن الرجل لنبي ، أذهبُ والله أسلم ، فحتى متى ؟ " .



وتسامع الناس في المدينة بقدوم هذا الركب المبارك مسلماً ، فأسرعوا بإخبار النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فاستقبلهم ورحّب بهم ، وهنّأهم على الهداية إلى الحق ، وبايعهم على الإسلام ، رواه أحمد .



ولما جاء دور عمرو بن العاص رضي الله عنه للمبايعة تردّد وقبض يده ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( مالك يا عمرو ؟ ) ، فقال له : " أردت أن أشترط " ، فقال : ( تشترط بماذا ؟ ) ، فقال عمرو : " أن يُغفر لي " ، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : ( أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله ؟ ، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها ؟ ، وأن الحج يهدم ما كان قبله ؟ ) رواه مسلم .


سرية غالب بن عبدالله إلى الكديد


بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غالب بن عبد الله الكلبي رضي الله عنه للإغارة على بني ملوِّح في " الكديد " ، فانطلق رضي الله عنه ومعه بضعة عشر رجلاً ، وفي الطريق لقي المسلمون الحارث بن مالك الليثي فأمسكوا به واقتادوه إلى قائدهم ، فقال الحارث : " إنما جئت لأسلم " ، فشكّ غالب رضي الله عنه في أمره فقال له : " إن كنت إنما جئت مسلماً فلن يضرّك رباط يوم وليلة ، وإن كنت على غير ذلك استوثقنا منك " ، فأوثقوا رباطه ثم جعلوا عليه حارساً ، وأوصى غالب رضي الله عنه بالحذر من الحارث وقتله إذا ظهرت منه بوادر الخيانة .



ووصلت تلك السريّة إلى " الكديد " وقت الغروب ، وانطلق جندب بن مكيث رضي الله عنه يستطلع المكان ، فرآه أحد المشركين وظنّ أنه إحدى الحيوانات ـ فرماه بسهم ، فلم يتحرّك رضي الله عنه حتى لا يكشف أمر أصحابه ، ونزع السهم من جسده ، فرماه المشرك بسهم آخر فأصاب منكبه ، ولكنّه رضي الله عنه احتمل ذلك كلّه ، حتى قال المشرك لمن كان معه : " والله لقد خالطه سهماي ، ولو كان دابة لتحرّك " ، فتركه ومضى .



وعندما اشتدّت ظلمة الليل أغار المسلمون على أعدائهم ، فقتلوا خلقاً كثيراً وغنموا منهم ، ثم عادوا ليأخذوا الحارث بن مالك الليثي وحارسه ، وفي تلك الأثناء انطلقت صرخات الاستغاثة ، وامتلأ المكان بقوّات عظيمة لا قبل للمسلمين بها ، واشتدّت المطاردة بين الفريقين ، وعندما اجتاز المسلمون بطن الوادي أرسل الله سيلاً عظيماً قطع الطريق على المشركين فلم يتمكّنوا من اللحاق بهم ، وعادت السريّة مكلّلة بالنصر إلى المدينة سالمة غانمة ، والقصّة رواها الإمام أحمد في مسنده .



لقد جاءت تلك الأحداث لتجني ثمار الحاضر وتحمل بشائر المستقبل ، فالغارة التي قام بها المسلمون أسهمت في بسط هيبتهم وتوطيد مكانتهم عند القبائل العربية ، وإسلام قائدين عظيمين من أمثال عمرو بن العاص و خالد بن الوليد رضي الله عنهما كان مكسباً عظيماً للمسلمين خصوصاً بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فكان لهما الأثر البالغ في حركة الفتوحات واتساع رقعة الدولة الإسلاميّة بعد ذلك .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-12, 3:37 pm


غـــــــزوة مؤتـــــة



اتّسمت العلاقات بين المسلمين والروم بالتوتّر ، فقد دأبت الروم ومن والاها من العرب على مضايقة المسلمين واستفزازهم بكل الطرق ، وكان من أظهرها المحاولات المتكرّرة للتعرّض لتجارة المسلمين القادمة من الشام ، والقيام بالسلب والنهب للقوافل التي تمرّ بطريقهم ، ناهيك عمّا مارسوه من ضغوطاتٍ ومضايقاتٍ طالت كل مسلم وقع تحت أيديهم .


وبلغ الأذى ذروته حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمير الأزدي رسولاً إلى ملك بصرى من أرض الشام يدعوه إلى الإسلام ، فما كان من ملك بصرى شرحبيل بن عمرو الغساني إلا أن قتل رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاشتدّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ كان هذا هو أول رسولٍ له يُقتل على خلاف ما جرت العادة من إكرام الرسل وعدم التعرّض لهم .


فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس للخروج ومقاتلة الروم حتى يضع حداً لهذه التصرّفات الهمجية ولأجل تأديبهم ، وسرعان ما اجتمع عند النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة آلاف مقاتل ، فعقد الراية لثلاثة منهم وجعل إمرتهم بالتناوب ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن أصيب زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة ) رواه البخاري ومسلم ، فتجهّز الناس وخرجوا ، وكان ذلك يوم الجمعة من السنة الثامنة للهجرة النبوية ، فلما ودّع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسلّموا عليهم ، بكى عبد الله بن رواحة فقالوا : ما يبكيك يا ابن رواحة فقال : " أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار : { وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا } ( مريم : 71 ) فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود ؟ ".



فقال المسلمون : " صحبكم الله ، ودفع عنكم ، وردّكم إلينا صالحين ، فأجابهم عبد الله بن رواحة :

لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا

أو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبــدا

حتى يقال إذا مروا على جدثي أرشده الله من غاز وقد رشدا



وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم صحابته قائلاً : ( اغزوا باسم الله وفي سبيل الله ، وقاتلوا من كفر بالله . اغزوا ولا تغدروا ، ولا تغلوا ولا تمثّلوا ، ولا تقتلوا وليدا ولا أصحاب الصوامع ) رواه أحمد وغيره من أصحاب السنن .


وسار المسلمون حتى نزلوا معانا - اسم قرية - من أرض الشام ، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم ، وانضم إليه مائة ألف أخرى من القبائل العربية الموالية له كلخم ، وجذام ، وبلقين ، وبهراء ، فاجتمع لهرقل مائتي ألف مقاتل ، فعقد المسلمون مجلسا للتشاور ، فقال بعضهم : نكتب للنبي صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا ، فإما أن يمدنا بالرجال ، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له ، وقال آخرون : قد وطئتَ البلاد وأخفتَ أهلها ، فانصرف ؛ فإنه لا يعدلُ العافية شيء . و عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ساكت ، فسأله زيد عن رأيه فقال : يا قوم والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم له تطلبون الشهادة ، ما نقاتل الناس بعدد ، ولا عدة ، ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين ، إما ظهور ، وإما شهادة ، فقال الناس : صدق والله ابن رواحة ، فمضوا حتى إذا قاربوا البلقاء - منطقة بالشام - ، لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية يقال لها مشارف ، فدنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها : مؤتة وتسمى اليوم بالكرك ، فالتقى الناس عندها ، فتجهز المسلمون وجعلوا على ميمنة الجيش قطبة بن قتادة رجل من بني عذرة ، وعلى الميسرة أنصاريٌّ يقال له عبادة بن مالك .


والتحم الجيشان وحمي الوطيس ، واقتتلوا قتالا شديداً ، وقتل أول قادة المسلمين زيد بن حارثة رضي الله عنه ، مقبلاً غير مدبر ، فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب بيمينه ، وأخذ ينشد :

يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها

والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها

علي إن لاقيتها ضرابها

فقطعت يمينه رضي الله عنه ، فأخذ الراية بشماله فقطعت ، فاحتضنها بعضديه حتى قتل رضي الله عنه ، فأخذ الراية عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ، ثم تقدم بها على فرسه فجعل يستنزل نفسه ، ويقول :

أقسمت يا نفس لتنزلن لتنزلن أو لتكرهنه

إن أجلب الناس وشدوا الرنة ما لي أراك تكرهين الجنة

قد طال ما قد كنت مطمئنة هل أنت إلا نطفة في شنة وقال أيضا :

يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت

وما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلي فعلهما هديت

ولما نزل أتاه ابن عم له بقطعة لحم ، فقال : اشدد بها صلبك ، فإنك قد لقيت أيامك هذه ما لقيت ، فأخذه من يده ، فنهش منه نهشة ، ثم سمع تدافع الناس للقتال فقال : وأنت في الدنيا ! ثم ألقاه من يده ، وأخذ سيفه ، فتقدم فقاتل حتى قُتل ، ثم أخذ الراية ثابت بن أرقم بن ثعلبة الأنصاري فقال : يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم ، فقالوا : أنت فقال : ما أنا بفاعل ، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد .


وقد سارع الوحي إلى إبلاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحداث المعركة ، فعن أنس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا و جعفرا و ابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال : (أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذها جعفر فأصيب ، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب - وعيناه تذرفان - حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله ، حتى فتح الله عليهم ) رواه البخاري .


عبقرية خالد بن الوليد واشهر خطة انسحاب عسكري في التاريخ
000000000000000000000000000000000000000000000000


وبعد أن استلم الإمرة خالد أراد أن ينقذ الجيش الإسلامي بطريقة تحفظ له كيانه وتبقي هيبته ، وقدّر أن الحل يكمن بالانسحاب بعد إرهاب العدوّ وإيهامه بوصول إمدادات جديدة ، فصمد حتى الليل واستغلّ الظلام ليغيّر مراكز المقاتلين ، وحوَّل الميسرة ميمنة ، والميمنة ميسرة ، والمؤخرة مقدمة والعكس ، وطلب من خيّالة المسلمين اصطناع غبارٍ وجلبة قويّة ، فظن الروم أن المسلمين جاءهم مدد ، فخارت عزائمهم ، واشتدّ عليهم المسلمون حتى يقول خالد رضي الله عنه : لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية ، وهكذا نجح خالد في العودة بالجيش إلى المدينة بأقلّ خسارة ممكنة ، وقُتل من الروم خلقٌ كثير لا يُعرف عددهم وكان في ذلك نصرٌ كبير للإسلام و المسلمين .


ولما وصل خالد إلى المدينة ، أخذ بعض المسلمين في عتاب من فرّ في بداية المعركة ، فخشي أولئك من غضب الله ورسوله حتى همّوا أن يركبوالبحر ، ثم قالوا : لو عرضنا أنفسنا على رسول الله ، فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا ، فأتوه قبل صلاة الغداة فخرج فقال : (من القوم ) ؟ فقالوا : نحن الفرارون فقال : (لا ، بل أنتم الكرارون ، أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين ) فأتوه وقبلوا يده الشريفة .


هذه هي غزوة مؤتة تكاد تتفجر عظة وعبرة ، فما إن يقرأ القارئ هذه الأحداث إلا ويجد الإعجاب قد عقد لسانه ، فأي بشر هؤلاء ، يقفون بجيش قوامه ثلاثة آلاف مقاتل أمام جيش هائل قوامه مائتي ألف مقاتل ، إن تصورا سريعا للقوتين ليعطي نتائج حاسمة بانتصار الجيش الكبير على الجيش المقابل ، ومع ذلك يتقدم المسلمون على قلة عددهم ، وضعف عُدَدَهِم - آلة الحرب - ليضربوا أعظم صور التضحية والفداء ، بل ولينتصروا على ذلك العدو ، في أعظم مهزلة يتعرض لها جيش الإمبراطورية الرومانية ، إن غزوة مؤتة بكل المقاييس العسكرية معجزة من المعجزات ، وكرامة من الكرامات ، لقد وضعت معركة مؤتة القاعدة العسكرية الإسلامية في مواجهة العدو ، فنحن لا نقاتل بعدد ولا عدة ولكن نقاتل بهذا الدين ، فإذا تمحض قتالنا نصرة لدين الله ، وقمنا - ما استطعنا - بما أوجبه الله علينا من الأخذ بالأسباب الظاهرة ، كان النصر حليفنا بإذن الله .


إن ما يتمتع به المسلم من حب البذل والتضحية بالنفس والمال في سبيل هذا الدين نابع من إيمانه بالله ويقينه بما عنده ، فهل تُحيا في الأمة هذه البسالة ، وهل نستخلص من غزوة مؤتة - خاصة - وتاريخ المسلمين الجهادي - عامة - دروسا تزرع التضحية والفداء في قلوب فتيانه حتى يعود للأمة سابق مجدها وغابر عزها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-12, 3:46 pm


ســــــرية ذات السلاســل


لو سألنا التاريخ : ما هي السريّة التي بسطت هيبة الدولة الإسلامية في شمال الجزيرة ، وكسرت عصا التمرّد التي طالما أشهرتها بعض القبائل العربيّة الموالية للروم ، وكانت أيضاً سبباً في إسلام الكثير من أهالي بني مرة ، وبني ذبيان ، ودخول غيرهما في حلف مع المسلمين ، لأجابنا بدون تردّد : إنها سريّة ذات السلاسل ، التي وقعت في السنة الثامنة للهجرة.



وكان الباعث لهذه السريّة ، هو إحساس النبي – صلى الله عليه وسلم – بالخطر المحدق بهم جرّاء التحركات المريبة التي تقوم بها قبيلة قضاعة ، والتي تنبيء عن وجود محاولات حثيثة للهجوم على المدينة وتطويقها .



ومن هذا المنطلق أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه بالنفير ، على الرغم من عودتهم القريبة من معركتهم في مؤتة ، ولم يمض وقت طويل حتى كان ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار على أهبة الانطلاق .



وبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عمرو بن العاص قائلا : ( خذ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتني ) ، فأتاه رضي الله عنه وقد لبس عدة الحرب ، فقال له : ( إني أريد أن أبعثك على جيش ، فيسلّمك الله ويغنمك ، وأرغب لك من المال رغبة صالحة ) .



لقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يريد أن يستفيد من الخبرات القتالية لعمرو بن العاص رضي الله عنه ويتألّف قلبه في الوقت ذاته ، فلم يمضِ على إسلامه وقت طويل ، لكن إجابة عمرو رضي الله عنه كانت تعكس رسوخ إيمانه ويقينه فقد قال : " يا رسول الله ، ما أسلمت من أجل المال ، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام ، وأن أكون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم – " ، فتهلّل وجه النبي – صلى الله عليه وسلم – بشراً وقال له : ( يا عمرو ، نعم المال الصالح للمرء الصالح ) رواه أحمد .



وسار الجيش الصغير بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه مستحضراً وصايا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – التي كان يوصي بها البعوث ، وفي أثناء ذلك مرّ بموضع ماء يقال له " السلسل " ، ومن هنا جاءت تسمية هذه السريّة ( ذات السلاسل ).



وترامت الأنباء إلى عمرو رضي الله عنه بالأعداد الكبيرة التي سيواجهها جيش المسلمين ، وحينها أدرك أن المعركة لن تكون متكافئة ، فأرسل رافع بن مكيث الجهني رضي الله عنه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – يطلب المدد ، فبعث إليه بمائتي صحابي تحت قيادة أبي عبيدة بن الجراح ، وبصحبة أبي بكر الصديق و عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهم أجمعين .



ووصلت الإمدادات إلى جيش عمرو بن العاص رضي الله عنه فتلقّاهم المسلمون بالفرح الشديد ، وسار الجميع على نحو بالغ الحذر حتى لا يتمكّن العدوّ من رصد تحرّكاتهم ، فكانوا يتابعون السير تحت جنح الظلام فقط مع الاختفاء في أوقات النهار .



وفي إحدى الليالي حاول بعض المسلمين إشعال النيران ليتقوا بها شدة البرد ، فنهاهم عمرو رضي الله عنه عن ذلك أشدّ النهي ، وهددّ من يخالف أمره أن يلقيه في النار ، فشكى الناس إلى أبي بكر رضي الله عنه شدّة عمرو ، فذهب إليه وكلّمه ، لكنّ عمْراً رضي الله عنه أصرّ على رأيه ولم يتنازل عنه ، وكان إصراره مثار استغراب.



وعندما وصل الجيش الإسلامي إلى وجهته صال وجال موجّهاً ضرباته المؤلمة على قضاعة ومن معها ، وأثخن فيهم القتل ، ولم يطل صمود الأعراب كثيراً فبادروا بالفرار ، وتأهّب الصحابة لمتابعة فلولهم ، لكنّ عمرو بن العاص رضي الله عنه منعهم من الإقدام على ذلك ، وأصدر أوامره بالعودة ، فأطاعه المسلمون على مضض .



ثم جاء الموقف الثالث الذي أثار حفيظة البعض ، وذلك حينما تيّمم عمرو بن العاص رضي الله عنه بدلاً من اغتساله للجنابة ، وصلّى بالناس إماماً ، ولم ينجح أحدٌ في كشف الغموض المحيط بتلك المواقف .


ووصل الناس إلى المدينة ، وكان أول ما فعلوه هو الذهاب إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يشكون إليه ما فعل بهم عمرو بن العاص رضي الله عنه في أثناء رحلتهم ، فسأله النبي عليه الصلاة والسلام عن السبب الذي دعاه إلى فعل كل ذلك ، فبيّن أن منعه من إيقاد النار كان لأجل ألا يرى العدو قلّة عددهم فيطمع فيهم ، وأن إصراره على عدم مطاردة العدو بسبب مخافته أن يكون الهروب مجرّد كمين منصوب لهم ، وأن امتناعه عن الاغتسال بالماء كان استناداً إلى قوله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } ( النساء 29 ) ، وقد خشي على نفسه أن يهلك من شدّة البرد ، فأعجب النبي – صلى الله عليه وسلم – بذكائه وحنكته ، وعلمه واجتهاده .



ومع ما حققته هذه المعركة من أهداف على الصعيد الميداني ، فقد أسهمت كذلك في إبراز عمرو بن العاص رضي الله عنه كشخصيّة فذّة ، وقيادة حكيمة ، كان لها دورها في الفتوح الإسلامية بعد ذلك .




حركات جهاديـــة بين مؤتـــة وفتح مكـــة


بعد أن قويت شوكة الإسلام وأرسى دعائم دولته ، دخلت فيه بعض القبائل ، ولَمّا يتمكن الإيمان من قلوبها ، ولم تكن مهيأة بعد لاحتمال مشاق الدعوة وعقبات الطريق ...وإن شئت قل : إن دخول تلك القبائل في الإسلام لم يكن موقفاً خالياً من المصالح الذاتية التي بدت لهم ، ولذلك نجدهم يتراجعون عند أول صدمة ، بل ينتهزون الفرص لبث الفوضى ، وإثارة القلاقل ، وتأليب الناس على المسلمين . وهذا ما كان من شأن قبائل قُضاعة .


فبعد عودة المسلمين من غزوة مؤتة إلى المدينة ، جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً يتكون من ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار بقيادة عمرو بن العاص إلى "ذات السلاسل" - بمشارف الشام- بهدف تأديب قبائل قُضاعة التي غرّها ما أصاب المسلمين في مؤته ، مما دفعها إلى التعاون مع الروم ، والعمل على مهاجمة المدينة .

وعندما وصل عمرو إلى القوم ورأى كثرة تجمعهم ، أرسل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يخبره بأمرهم ، فأمدّه بمائتي مجاهد بقيادة أبي عبيدة بن الجراح ، فاتحدوا جميعاً ، واتجهوا إلى بلاد قُضاعة ، حتى أتوا على أقصى البلاد ، وفرقوا جمعهم ، وحمل المسلمون على من بقي منهم فلم يثبتوا أمام المؤمنين ، وفروا هاربين منهزمين ، وكتب الله النصر لعباده ، ونجح المسلمون في إرجاع هيبة الإسلام بأطراف الجزيرة الشمالية ، ناحية الشام ، مما كان له الأثر في عودة القبائل إلى أحلافها مع المسلمين ، وإسلام الكثيرين من بني عبس وذبيان ومرة وفزارة ، ثم تبعهم بنو سُليم وعلى رأسهم العباس بن مرداس ، وبنو أشجع ، حتى قوي شأن المسلمين ، ووافق بعث هذه السرية في جمادى الآخرة سنة 8 هـ .


وفي رجب من العام نفسه لحقتها سرية الخبط ، بقيادة أبي عبيدة بن الجراح ، في ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار ، وزودهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جراباً من تمر ، فكان أبو عبيدة يقبض لهم قبضة ثم تمرة تمرة ، فكان أحدهم يلوكها ، ويشرب عليها الماء ، فلما نفد ما عندهم أكلوا الخبط - ورق السمر- ، وأصابهم جوع شديد ، ثم أنعم الله عليم بحوت ضخم ، يقال له "العنبر" ، ألقى به البحر إليهم ميتاً ، فأكلوا منه حتى شبعوا ، وأحضروا منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي الصحيح : ( كلوا رزقاً أخرجه الله ، أطعمونا إن كان معكم ، فأتاه بعضهم بعضو ، فأكله ) متفق عليه .


وفي شعبان من العام نفسه لحقتها سرية " أبي قتادة " ومعه عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي إلى الغابة ، لكسر شوكة قيس بن رفاعة الذي كان يريد جمع قيسٍ على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عدد السرية خمسة عشر رجلاً ، فتم قتل زعيمهم ، وشُرِّد أتباعه ، وعاد المسلمون إلى المدينة منتصرين غانمين .


وفي أول شهر رمضان سنة 8هـ اتجهت سرية لأبي قتادة إلى بطن إِضَم - موضع ماء بين مكة واليمامة - ، في ثمانية نفر ، بهدف التمويه على قريش ، لتذهب الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم متوجه إلى تلك الناحية .


تلك البعوث الجهادية وغيرها يؤخذ منها دروس وعبر ، تتعلق بتدريب القادة العظام ، وتأهيل المجاهدين الأفذاذ , والتربية على الصبر والطاعة ، والعمل على تأمين حدود دولة الإسلام ، وإعادة ضعاف القلوب إلى الإسلام ، وإيقاف من تسول له نفسه المساس بالمسلمين عند حده ، فأهل الإسلام قد يُبتلون في بعض المواقف ، كما كان الأمر في غزوة أحد ومؤته ، لكنهم سرعان ما يعودون إلى كسب النصر والتأييد والتمكين ، بتوفيق الله لهم وإنجاز وعده .


وذلك لأنهم أصحاب الدين الخاتم ، الذي يحمل للإنسانية الخير والسعادة ، فهم يهدفون في كل تحركاتهم نفع الناس ، بدعوتهم إلى توحيد الله وعبادته واتباع دينه ، قال تعالى: { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين } (البقرة:193) ، والله الموفق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-12, 3:57 pm


فتح مكــــــــة
00000000000000


لما كان من بنود صلح الحديبية أن من أراد الدخول في حلف المسلمين دخل ، ومن أراد الدخول في حلف قريش دخل ، دخلت خزاعة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ودخلت بنو بكر في عهد قريش ، وقد كانت بين القبيلتين حروب وثارات قديمة ، فأراد بنو بكر أن يصيبوا من خزاعة الثأر القديم ، فأغاروا عليها ليلاً ، فاقتتلوا ، وأصابوا منهم ، وأعانت قريش بني بكر بالسلاح والرجال ، فأسرع عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بغدر قريش وحلفائها .


وأرادت قريش تفادي الأمر ، فأرسلت أبا سفيان إلى المدينة لتجديد الصلح مع المسلمين ، ولكن دون جدوى ؛ حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتهئ والاستعداد ، وأعلمهم أنه سائر إلى مكة ، كما أمر بكتم الأمر عن قريش من أجل مباغتتها في دارها .


وفي رمضان من السنة الثامنة للهجرة غادر الجيش الإسلامي المدينة إلى مكة ، في عشرة آلاف من الصحابة بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن استخلف على المدينة أبا ذر الغفاري رضي الله عنه .


ولما كان بالجحفة لقيه عمه العباس بن عبدالمطلب ، وكان قد خرج بأهله وعياله مسلماً مهاجراً .

وركب العباس بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء ، يبحث عن أحد يبلغ قريشاً لكي تطلب الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل مكة .


وكان أبو سفيان ممن يخرج يتجسس الأخبار ، فوجده العباس ، فنصحه بأن يأتي معه ليطلب له الأمان من رسول الله ، فجاء به راكباً معه ، حتى أدخله على رسول الله ، فقال له الرسول : ( ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ ....ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله) ، فقال العباس : ويحك أسلم ، فأسلم وشهد شهادة الحق ، ثم أكرمه الرسول فقال : (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) رواه مسلم .


ولما تحرك الجيش لدخول مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس أن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي ، حتى تمر به جنود الله فيراها ، فمرّت القبائل على أبي سفيان ، و العباس يخبره بها ، حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء ، فيها المهاجرون والأنصار ، فقال أبو سفيان : سبحان الله ؟ ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة . ثم أسرع إلى قومه ، وصرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش ، هذا محمد ، قد جاءكم فيما لا قبل لكم به ، فتفرق الناس إلى دورهم ، وإلى المسجد .


ودخل رسول الله مكة متواضعاً لله الذي أكرمه بالفتح ، وكان قد وزع جيشه إلى مجموعات ، أو كتائب احتياطاً لأي مواجهة .

ودخل الجيش الإسلامي كل حسب موضعه ومهامه ، وانهزم من أراد المقاومة من قريش ، ولم يستطع الصمود أمام القوى المؤمنة ، ثم دخل رسول الله المسجد الحرام والصحابة معه ، فأقبل إلى الحجر الأسود ، فاستلمه ، وكان حول البيت ثلاثمائة وستون صنماً ، فجعل يطعنها بقوس في يده ، ويكسرها ، ويقول : { جاء الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقاً} ( الإسراء :81 ) ، { قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد} (سبأ : 49) ، والأصنام تتساقط على وجوهها ، ثم طاف بالبيت .


ثم دعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ، فأمر بها ففتحت ، فدخلها فرأى فيها الصور فمحاها ، وصلى بها ، ثم خرج وقريش صفوفاً ينتظرون ما يصنع ، فقال : ( يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم ؟) قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : ( فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوانه : {لا تثريب عليكم اليوم } اذهبوا فأنتم الطلقاء ) .


وأعاد المفتاح ل عثمان بن طلحة ، ثم أمر بلالاً أن يصعد الكعبة فيؤذن ، وأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ دماء تسعة نفر من أكابر المجرمين ، وأمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة .

وفي اليوم الثاني قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وألقى خطبته المشهورة ، وفيها :

( إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة ،لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ، ولم تحلل لي قط إلا ساعة من الدهر ، لا ينفر صيدها ، ولا يعضد شوكها ، ولا يختلى خلاها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد) رواه البخاري .

وخاف الأنصار بعد الفتح من إقامة الرسول بمكة ، فقال لهم : ( معاذ الله ، المحيا محياكم ، والممات مماتكم ) رواه مسلم .

ثم بايع الرجال والنساء من أهل مكة على السمع والطاعة ، وأقام بمكة تسعة عشر يوماً ، يجدد معالم الإسلام ، ويرشد الناس إلى الهدى ، ويكسر الأصنام .

وبهذا الفتح حصل خير كثير ، فبه أعز الله الإسلام وأهله ، ودحر الكفر وأصحابه ، وبه استنقذ مكة المكرمة ، والبيت العتيق من أيدي الكفار والمشركين ، وبه دخل الناس في دين الله أفواجاً ، وأشرقت الأرض بنور الهداية ، وهكذا يفعل الإسلام في أتباعه، ومع أعدائه ، فهو دين الرحمة ، فهل يوجد دين يماثله ، في قيمه ومبادئه وتعاليمه في السلم والحرب ، إن الإسلام هو دين الإنسانية جمعاء ، وهي تحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى .



فــوائد من فتح مكــــــة
0000000000000000



كان فتح مكة أهم فتح للإسلام والمسلمين ، أكرم الله به نبيه صلى الله عليه وسلم خاصة والمسلمين عامة ، فقد جاء هذا الفتح المبارك بعد سنوات متواصلة من الدعوة والجهاد لتبليغ رسالة الإسلام ، فتوج مرحلة مهمة من مراحل الدعوة الإسلامية ، وكان أشبه ما يكون بنهاية المطاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الدار ، وبداية المطاف لمن بعده لإتمام مهمة نشر الدعوة في أرجاء الأرض كافة .


ولا نبعد عن الصواب إذا قلنا : إن فتح مكة يحمل من الدلالات والفوائد والعبر ما لا يحيط به كتاب فضلا أن يحيط به مقال كهذا ، وحسبنا في هذا المقام أن نقف عند بعض الفوائد والدلائل التي حملها ذلك الحدث التاريخي ، لنعرف أهميته في تاريخ الإسلام ، وندرك مكانته في مسيرة الدعوة إلى الله سبحانه .


إن من أولى فوائد فتح مكة أنه انتزع تلك البقعة المباركة من براثن الشرك، وضمها لحمى التوحيد . فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فكان من أول ما فعل أن كسَّر الأصنام المنصوبة حول الكعبة المشرفة، وهو يردد قوله تعالى:{ وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا } ( الإسراء : 81 ) وقوله: { قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد } (سـبأ:49) ، وصعد بلال على سطح الكعبة وصدح بالأذان ، فكانت كلماته تتردد في أرجاء مكة معلنة انتهاء عهد الخرافة والشرك ، وبدء عصر النور والتوحيد .


وقد كان من فوائد فتح مكة رفعُ سيف الكفر المسلط على رقاب المستضعفين من أهل مكة - سواء ممن أسلم ، أو ممن كان يرغب في الإسلام - الذين أرهبهم سيف قريش ، وسَلَبَ حقهم في اختيار الدين الحق ، فجاء ذاك الفتح ليرفع السيف عن رقابهم وليدخلوا في دين الله دون خوف أو وجل .


ومما أسفر عنه هذا الفتح العظيم تحطيم وإزالة رهبة قريش من قلوب قبائل العرب ، التي كانت تؤخر إسلامها لترى ما يؤول إليه حال قريش من نصر أو هزيمة، روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن سلمة : " أن العرب كانت تَلَوَّمُ - تنتظر - بإسلامها الفتح ، يقولون انظروا فإن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما جاءتنا وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم " .


وكان من فوائد هذا النصر المبارك زيادة إيمان المؤمنين بتحقق وعد ربهم ، دخول البيت والطواف به ، بعد أن منعهم منه المشركون، فقال سبحانه: { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون } ( الفتح: من الآية27) .


ومن فوائد فتح مكة اكتساب المسلمين شرف حماية البيت وخدمته ، مما جعل لهم من المكانة عند العرب نظير ما كان لقريش من قبل ، بل وأعظم .

ومن فوائد فتح مكة تضعضع مركز الكفر والشرك في جزيرة العرب ، وتحول رؤوس الكفر إلى القتال على جبهات ليس لها منزلة ولا مكانة عند العرب كثقيف وهوازن ، وما هي إلا جولة أو جولتان حتى خضعت جزيرة العرب للحكم الإسلامي ، وأصبحت الجزيرة مركزاً لنشر الدين الجديد وانطلقت الجيوش المسلمة الفاتحة لتدك عروش كسرى وقيصر ، ولتخضع أكبر إمبراطوريات الشر لحكم الدين الإسلامي.



ومن أهم الدلالات التي أفصح عنها فتح مكة موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهلها الذين ناصبوه العداء منذ أن بدأ بتبليغ دعوته ، فبعد أن أكرمه الله عز وجل بدخول مكة توجه إلى أهلها ليقول لهم ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا: أخ كريم ، وابن أخ كريم ، قال : ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) رواه البيهقي فيا له من موقف كريم يليق بمن أرسله الله رحمة للعالمين .


هذه بعض فوائد فتح مكة ، ذلكم الفتح الذي ليس ثمة فتح يوازيه في مكانته وأهميته ، حتى سماه العلماء الفتح العظيم ، وذلك لما ترتب عليه من نتائج عظيمة ليس أقلها إعادة أعظم بقعة في الأرض من براثن الشرك إلى حمى التوحيد ، وليس أدناها اقتران هذا الفتح المبارك بدخول الناس في دين الله أفواجاً ، كما قال تعالى: { إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } ( النصر:1-3 ). والله الموفق .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-14, 3:14 pm



غـــزوة حنيـــن تداعياتهــــا ونتائجهــــا



وافقت أحداث هذه الغزوة السابع من شهر شوال، من السنة الثامنة من هجرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم. ودارت رحاها في وادي حنين، وهو وادٍ إلى جنب ذي المجَاز، بينه وبين مكة سبعة وعشرون كيلو مترًا تقريبًا، من جهة عرفات‏. وكان عدد المسلمين الذين اجتمعوا في هذه المعركة اثنا عشر ألفًا؛ عشرة آلاف من أهل المدينة ، وألفين من أهل مكة .



* ســــبب الغـــزوة :



لقد كان فتح مكة كما قال ابن القيم ‏:‏ " الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمـين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدي للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين. وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء...ودخل الناس به في دين الله أفواجًا، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجًا " .



وكان لهذا الفتح الأعظم رد فعل معاكس لدى القبائل العربية الكبيرة القريبة من مكة، وفي مقدمتها قبيلتا ( هوزان ) و( ثقيف ). فقد اجتمع رؤساء هذه القبائل، وسلموا قياد أمرهم، إلى مالك بن عوف سيد ( هوزان ). وأجمعوا أمرهم على المسير لقتال المسلمين، قبل أن تتوطد دعائم نصرهم، وتنتشر طلائع فتحهم .




* مجريــــات الغــــــــزوة ووقائعهـــا :


وكان مالك بن عوف رجلاً شجاعًا ومقدامًا، إلا أنه كان سقيم الرأي، وسيء المشورة؛ فقد خرج بقومه أجمعين، رجالاً ونساء وأطفالاً وأموالاً؛ ليُشعر كل رجل وهو يقاتل أن ثروته وحرمته وراءه فلا يفر عنها. وقد اعترضه في موقفه هذا دريد بن الصمة - وكان فارسًا مجربًا محنكًا، قد صقلته السنون، وخبرته الأحداث - قائلاً له: وهل يرد المنهزم شيء؟ إن كانت الدائرة لك، لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك: فضُحْتَ في أهلك ومالك. فسفَّه مالك رأيه، وركب رأسه، وأصر على المضي في خطته، لا يثنيه عن ذلك شيء .


وانتهى خبر مالك وما عزم عليه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ يجهز جيشه، ويعد عدته لمواجهة هذا الموقف. وكان مالك بن عوف قد استبق زمام المبادرة وتوجه إلى حنين، وأدخل جيشه بالليل في مضائق من ذلك الوادي، وفرق أتباعه في الطرق والمداخل، وأصدر إليهم أمره، بأن يرشقوا المسلمين عند أول ظهور لهم، ثم يشدوا عليهم شدة رجل واحد ‏.‏



وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد عبأ جيشه بالسَّحَر، وعقد الألوية والرايات، وفرقها على الناس، وقبل أن يبزغ فجر ذلك اليوم، استقبل المسلمون وادي حنين، وشرعوا ينحدرون فيه، وهم لا يدرون بما كان قد دُبِّر لهم بليل. وبينما هم ينحطون على ذلك الوادي، إذا بالنبال تمطر عليهم من كل حدب وصوب، وإذا بكتائب العدو قد شدت عليهم شدة رجل واحد، فانهزم المسلمون راجعين، لا يلوي أحد على أحد، وكانت هزيمة منكرة لذلك الجمع الكبير ‏.‏



وانحاز رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذات اليمين، وهو يقول‏:‏ ( إلي يا عباد الله، ‏أنــا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب ‏)‏ ولم يبق معه في موقفه إلا عدد قليل من المهاجرين والأنصار ‏.‏



وقد روى لنا العباس رضي الله عنه هذا الموقف العصيب، وصوَّره لنا أدق تصوير، فقال: ( شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمت أنا و أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء، فلما التقى المسلمون والكفار، ولَّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قِبَلَ الكفار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي عباس ! نادِ أصحاب السَّمُرَة - أي: أصحاب بيعة العقبة - فقال عباس : أين أصحاب السمرة ؟ قال: فوالله لكأَن عَطْفَتَهم حين سمعوا صوتي، عَطْفة البقر على أولادها - أي: أجابوا مسرعين - فقالوا: يا لبيك يا لبيك، قال: فاقتتلوا والكفار...فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال: حمي الوطيس ، قال: ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات، فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: انهزموا ورب محمد ، قال: فذهبت أنظر، فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلاً، وأمرهم مدبرًا - يعني قوتهم ضعيفة، وأمرهم في تراجع وهزيمة - ) هذه رواية مسلم في "صحيحه". وقد فرَّ مالك بن عوف ومن معه من رجالات قومه، والتجؤوا إلى الطائف، وتحصنوا بها، وقد تركوا وراءهم مغانم كثيرة، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثرهم فريقًا من الصحابة، حاصروهم، وقاتلوهم حتى حسموا الأمر معهم .



وهذا الحدث وما رافقه من مجريات ووقائع، هو الذي أشار إليه سبحانه وتعالى، بقوله‏:‏ ‏{‏ ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين }‏ (‏التوبة‏:‏25-26) .



لقد كان موقف رسول الله وثباته في هذه المعركة مع قلة من الصحابة دليلاً ناصعًا، وبرهانًا ساطعًا على عمق إيمانه بالله، وثقته بنصره وتأييده، وتحققه بأن نتيجة المعركة سوف تكون إلى جانب الحق. وإنك لتبصر صورة نادرة، وجرأة غير معهودة في مثل هذه المواقف؛ فقد تفرقت عنه صلى الله عليه وسلم الجموع، وولوا الأدبار، لا يلوي واحد منهم على أحد، ولم يبق إلا رسول الله وسط ساحات الوغى، حيث تحفُّ به كمائن العدو من كل جانب، فثبت ثباتًا عجيبًا، امتد أثره إلى نفوس أولئك الفارين، فعادت إليهم من ذلك المشهد رباطة الجأش، وقوة العزيمة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-14, 3:34 pm



* مــــوقف أم ســـــــليم :



ومن المواقف المشرفة في هذه المعركة موقف الصحابية أم سُليم رضي الله عنها، وكانت مع زوجها أبي طلحة رضي الله عنه. وقد روت كتب الحديث والسِّيَر بسند صحيح وقائع خبرها، فعن أنس رضي الله عنه، أن أم سليم رضي الله عنها اتخذت يوم حنين خنجرًا، فكان معها فرآها أبو طلحة ، فقال: يا رسول الله ! هذه أم سليم ، معها خنجر، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا الخنجر ؟ قالت: اتخذته، إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، قالت: يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء، انهزموا بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا أم سليم! إن الله قد كفى وأحسن ) .



* تداعيات هذه الغزوة :



ثم إن من تداعيات هذه المعركة، ما كان من مسألة تقسيم الغنائم - وقد غنم المسلمون مغانم كثيرة في هذه المعركة - وكانت هذه القسمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، مبنية على سياسة حكيمة، لكنها لم تُفْهَم أول الأمر، فأُطْلِقتْ ألسنة شتى بالاعتراض‏، والقيل والقال .



وحاصل خبر تداعيات تقسيم الغنائم، ما رواه ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال‏:‏ لما أعطى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ما أعطى من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وَجَدَ هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت فيهم القَالَةُ - يعني كثرة الكلام بين الناس - حتى قال قائلهم‏:‏ لقي - واللّه - رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة ، فقال‏:‏ يا رسول اللّه، إن هذا الحي من الأنصار قد وَجَدُوا عليك في أنفسهم، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظامًا في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء‏.‏ قال‏:‏ ‏( ‏فأين أنت من ذلك يا سعد‏ ؟ ‏‏)‏ قال‏:‏ يا رسول اللّه، ما أنا إلا من قومي‏.‏ قال‏:‏ ‏( ‏فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة‏ )‏‏.‏ فخرج سعد ، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة، فجاء رجال من المهاجرين، فتركهم، فدخلوا‏.‏ وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا له أتاه سعد ، فقال‏:‏ لقد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فحمد اللّه، وأثنى عليه، ثم قال‏:‏ ‏( ‏يا معشر الأنصار، ما قَالَة بلغتني عنكم، وَجِدَةٌ وجدتموها عليَّ في أنفسكم‏؟‏ ألم آتكم ضلالاً فهداكم اللّه‏؟‏ وعالة فأغناكم اللّه‏؟‏ وأعداء فألف اللّه بين قلوبكم ‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ بلى، اللّه ورسولـه أمَنُّ وأفضل. ثم قال‏:‏ ‏( ‏ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ بماذا نجيبك يا رسول اللّه‏؟‏ للّه ورسوله المن والفضل‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏ أما واللّه لو شئتم لقلتم، فصَدَقْتُمْ ولصُدِّقْتُمْ‏:‏ أتيتنا مُكَذَّبًا فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فآسَيْنَاك. ‏أوَجَدْتُمْ يا معشر الأنصار في أنفسكم فيَّ لَعَاعَةٍ من الدنيا - يعني شيئًا تافهًا - تَألفَّتُ بها قومًا ليُسْلِمُوا، ووَكَلْتُكم إلى إسلامكم‏؟‏ ألا ترضون يا معشر الأنصار، أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم‏؟‏ فوالذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شِعْبًا، وسلكت الأنصار شعباً لسلكتُ شِعب الأنصار. وإنكم ستلقون أثرة من بعدي، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض. اللّهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار ‏) فبكي القوم حتى اخضلت - تبللت - لحاهم، وقالوا‏:‏ رضينا برسول اللّه صلى الله عليه وسلم قَسْمًا وحظاً، ثم انصرف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وتفرق الجمع‏ .




* الدروس والعبر المستفادة :



لقد كانت غزوة حنين هذه درسًا عظيمًا في العقيدة الإسلامية، وممارسة عملية لفهم قانون الأسباب والمسببات؛ فإذا كانت وقعة بدر قد علَّمت الجماعة المسلمة أن القلة إذا كانت مؤمنة بالله حق الإيمان، وآخذة بأسباب النصر، لا تضر شيئًا في جنب كثرة الأعداء؛ فإن غزوة حنين قد علمت تلك الجماعة درسًا جديدًا، حاصله أن الكثرة الكاثرة لا تغني شيئًا، ولا تجدي نفعًا في ساحات المعركة، إذا لم تكن قد تسلحت بسلاح العقيدة والإيمان، وإذا لم تكن قد أخذت بأسباب النصر وقوانينه. فالنصر والهزيمة ونتائج المعارك لا يحسمها الكثرة والقلة، وإنما ثمة أمور أخر ورائها، لا تقل شأنًا عنها، إن لم تكن تفوقها أهمية واعتبارًا، لتقرير نتيجة أي معركة .



فكانت حنين بهذا درساً، استفاد منه المسلمون غاية الفائدة، وتعلموا منه قواعد النصر وقوانينه، قال تعالى: { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } (محمد:7) .



ويدل موقف أم سليم في هذه المعركة على مدى حرص الصحابيات رضي الله عنهن على مشاركتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته، وتبليغ رسالته، ومواجهة أعدائه .



ومن الدروس المستفادة من هذه المعركة، والعبر المستخلصة منها، حكمة سياسة النبي صلى الله عليه وسلم في تقسيم الغنائم وتوزيعها، فقد اختص في هذه المعركة الذين أسلموا عام الفتح بمزيد من الغنائم عن غيرهم، ولم يراع في تلك القسمة قاعدة المساواة بين المقاتلين. وفي هذا دلالة على أن لإمام المسلمين أن يتصرف بما يراه الأنسب والأوفق لمصلحة الأمة دينًا ودنيا .

ويستفاد من بعض تصرفاته صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة، أن الدافع الأول وراء مشروعية الجهاد، هو دعوة الناس إلى دين الإسلام، وهدايتهم إلى الطريق المستقيم، وإرشادهم إلى الدين القويم، وهو الهدف الأساس الذي جاءت شريعة الإسلام لأجله؛ ولم يكن الهدف من مشروعية تلك الغزوات تحقيق أهداف اقتصادية، ولا تحصيل مكاسب سياسية. يشهد لهذا المعنى موقفه صلى الله عليه وسلم من مالك بن عوف - وكان المحرك الأساس، والموجه الأول لمعركة حنين - فقد سأل صلى الله عليه وسلم أصحابه عن مالكٍ، فقالوا: إنه بالطائف مع ثقيف، فقال لهم: أخبروه، أنه إن أتى مسلمًا رددت عليه أهله وماله، وأعطيته مئة من الإبل، فأُخبر مالك بذلك، فجاء يلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه، فرد عليه أهله وماله، وأعطاه مئة من الأبل، وأسلم فحسن إسلامه. والخبر ذكره ابن إسحاق .



كل هذا - وغيره كثير - يدل دلالة واضحة على أن الجهاد في أصله ليس إلا ممارسة لوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن الوظيفة الأساس من الجهاد، والهدف المرام من تشريعه، دعوة الناس إلى الدين الحق، وضمان حريتهم في اعتناق هذا الدين .


عدل سابقا من قبل أسيرة المستحيل في 2008-08-16, 11:35 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
delo3aa
... مشرف ...
... مشرف ...
delo3aa


انثى
عدد الرسائل : 1772
العمر : 34
الإقامة : بلدنيا
السٌّمعَة : 0
النقاط : 0
تاريخ التسجيل : 11/01/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-14, 3:38 pm

يعطيكي العافية و يوفئك على هيك مواضيع حلوة

تقبلي مروري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-16, 12:31 pm



تسلمي دلووعــــة

كلك زووووووووء

نــورتـــي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
r@mrome
عضو مبدع خبير
عضو مبدع خبير
r@mrome


انثى
عدد الرسائل : 1200
العمر : 38
الإقامة : دمشق طبعا عاصمة الثقافة
السٌّمعَة : 0
النقاط : 4
تاريخ التسجيل : 09/05/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-16, 2:24 pm

والله الحمد لله لي في نااااااااااءس

بالمنتدى بيذكروا النبي

تقبلي مروري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
M@TRIX
عضو مبدع خبير
عضو مبدع خبير
M@TRIX


ذكر
عدد الرسائل : 1044
العمر : 40
الـبــلـد : In the Heart of Love
الهوايات : Telecommunication Technology
الإقامة : Palestine
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 4
تاريخ التسجيل : 19/06/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-16, 2:27 pm

اللهم صلي على سيدنا محمد

هاي السيرة كاملة للرسول صلي الله علية وسلم

تسلم هالايادي يا اسيرة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.4all.roo7.biz
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-16, 2:35 pm



الحمد لله على كل شي

اللهم صلي على سيدنا محمد

نـــورتـــي ريمي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-16, 2:49 pm



اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


مشـــــــــكوور ماتركـــــــس


والسيرة لسا ماخلصت

يتبــــــــع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
M@TRIX
عضو مبدع خبير
عضو مبدع خبير
M@TRIX


ذكر
عدد الرسائل : 1044
العمر : 40
الـبــلـد : In the Heart of Love
الهوايات : Telecommunication Technology
الإقامة : Palestine
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 4
تاريخ التسجيل : 19/06/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-08-16, 2:51 pm

رح تابع يا اسيرة

على الاقل نقرا عنهم ما بنعمل مثلهم يمكن نتعلم شوية دروس منهم

الله يعطيكي العافية على المجهود الرائع الكبير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.4all.roo7.biz
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-09-04, 3:13 pm



غـــزوة الطــائـــف



بعد أن كتب الله النصر للمؤمنين في غزوة حنين ، توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال عام 8هـ قاصداً الطائف يريد فتحها، وانتدب لتلك المهمة خالد بن الوليد رضي الله عنه ؛ حيث جعله على مقدمة الجيش ، وطلب منه أن يسير أولاً لمحاصرتها .

وكانت قبيلة ثقيف - وهم أهل الطائف- قد حصنت مواقعها ، وأعدت عدتها ، وتهيأت للقتال ، والدفاع عن أرضها.

ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف نزل قريباً من الحصن ، وأقام معسكره فيه ، فانتهزت ثقيف الفرصة ، وأخذت توجه سهامها إلى معسكر المسلمين ، فأصابت منهم اثنا عشر رجلاً ، كان منهم : عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنه الذي استشهد على أثر رمية أصابت منه مقتلاً.

واستمر حصار رسول الله صلى الله عليه وسلم للطائف قرابة أربعين يوماً ، تخللها العديد من المناوشات بين المسلمين والمشركين ، ورغبة في إضعاف معنويات ثقيف ، أخذ المسلمون في تحريق نخلهم ، فناشدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعها لله وللرحم ، فاستجاب لهم ، ثم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر" ، فخرج منهم بضعة عشر رجلاً ، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودفع كل رجلٍ منهم إلى رجلٍ من المسلمين ليقوم بشأنه واحتياجاته.

ولما طال الحصار ، وأصيب عدد من المسلمين استشار الرسول صلى الله عليه وسلم بعض القوم ، ثم قرر رفع الحصار والرحيل ، فعن عبد الله بن عمرو قال :حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف ، فلم ينل منهم شيئا ، فقال : ( إنا قافلون إن شاء الله ، قال أصحابه : نرجع ولم نفتتحه ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : اغدوا على القتال ، فغدوا عليه فأصابهم جراح ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا قافلون غدا ، فأعجبهم ذلك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه البخاري و مسلم .

وتروي كتب السير أن بعض الصحابة أتوا رسول الله وقت الحصار ، وقالوا : يا نبي الله ، ادعُ الله على ثقيف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم اهد ثقيفاً وأت بهم ) .

ثم أذن مؤذن رسول الله بالرحيل ، فرحل الجيش وهم يقولون : ( آيبون تائبون عابدون لربن حامدون ) .

وهكذا عاد المسلمون من غزوة الطائف ، منتصرين وإن لم يفتحوا الحصن ، منتصرين بإيمانهم ، وثباتهم ، وصبرهم ، إضافة لما حصل من استسلام بعض أهل الطائف وإسلامهم .

ومما يستفاد من هذه الغزوة سرعة استجابة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعد غزوة حنين مباشرة ساروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لنشر دعوتهم ، ومواجهة المعارضين لها ، والواقفين في سبيلها .

ويستفاد أيضاً ضرورة الأخذ بالوسائل الحربية ، والاستراتيجية ، والخطط النافعة ، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ حيث استخدم المنجنيق ، وكان أول ما رمي به في الإسلام.

ويستفاد أيضاً ضرورة التشاور وخاصة وقت المحن والشدائد ، وعدم التفرد باتخاذ القرار ، فالرسول صلى الله عليه وسلم شاور في فك الحصار ، وذلك لبيان أهمية هذا المبدأ العظيم مبدأ الشورى .

وقبل هذا وذاك نستفيد من أحداث هذه الغزوة ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من رحمة وشفقة بالآخرين ، ولو لم يكونوا مسلمين ، لأن مهمته تتمثل في هداية الآخرين وليس النيل منهم والكيد بهم ، وفي دعوته صلى الله عليه وسلم لثقيف -وليس الدعاء عليهم- أبلغ دليل على ما ذكرنا.



أحداث بين غــــزوة الطائف وغــــزوة تبوك



كانت حياته صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه حياة جِدِّ وعمل ، ومما يدل على ذلك أحداث السيرة العطرة ، التي يراها الناظر متتابعة متلاحقة في إنجازاتها العظيمة التي تدل ولا شك على عظمة القائد ، وجَلده وصبره في تبليغ الحق الذي جاء به ، والثبات عليه مهما كانت الصعاب والعقبات ، ومعه في ذلك الطريق أصحابه الكرام.


فبعد غزوة الطائف التي كانت في شوال سنة 8هـ ، لحقتها عدة أحداث نوجزها باختصار:


1- قدوم وفد هوازن

حيث أقبلوا مسلمين طائعين مبايعين ، وكان عددهم أربعة عشر رجلاً ، ويرأسهم زهير بن صُرَد ، وفيهم أبو بُرْقَان عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة ، وكان من جملة ما طلبوا من الرسول أن يعيد إليهم السبايا التي أصابها المسلمون منهم ، فأجابهم النبي الكريم إلى ذلك بعد استشارة أصحابه ، واستطابة خاطرهم .


2- أداء العمرة

قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقسمة غنائم حنين في الجعرانة ، حيث أخّر قسمتها ، أملاً في قدوم وفد هوازن تائبين ، فتُعاد إليهم ، ولما لم يأته أحد قسمها ، ثم أهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة منها ، وبعد انتهاء العمرة انصرف من مكة عائداً إلى المدينة بعد تولية عتّاب بن أسيد على مكة ، وكان دخوله المدينة أواخر ذي القعدة سنة 8هـ .


3- البعوث

بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، بدأ أوائل سنة 9هـ في بعث الوفود إلى القبائل ، فبعث عيينة بن حصن إلى بني تميم ، و يزيد بن الحصين إلى أسلم وغفار ، و عباد بن بشر الأشهلي إلى سُليم ومزينة ، و رافع بن مكيث إلى جهينة ، و عمرو بن العاص إلى بني فزارة ، و الضحاك بن سفيان إلى بني كلاب ، و بشير بن سفيان إلى بني كعب ، و ابن اللّتبية الأزدي إلى بني ذبيان ، و المهاجر بن أبي أمية إلى صنعاء ، و زياد بن لبيد إلى حضرموت ، و عدي بن حاتم إلى طيئ وبني أسد ، و مالك بن نويرة إلى بني حنظلة ، و الزِّبْرِقَان بن بدر و قيس بن عاصم إلى بني سعد ، و العلاء بن الحضرمي إلى البحرين ، و علي بن أبي طالب إلى نجران .


وكانت هذه البعوث تقوم بالدعوة إلى الله ، وتعليم الناس أمور دينهم ، وجمع الصدقات ، وأخذ الجزية .



4- السرايا

وكما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم البعوث ذات الطابع السِّلمي ، أرسل السرايا التي يغلب عليها الطابع العسكري الجهادي من أجل الوقوف بحزم مع أولئك الذين يثيرون القلاقل بين حين وآخر :

فكانت سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم ، في خمسين فارساً .

وسرية قُطبة بن عامر إلى حي من خثعم ، في عشرين رجلاً .

وسرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب .

وسرية علقمة بن مُجزِّر المُدلجي إلى سواحل جُدَّة ، في ثلاثمائة .

وسرية علي بن أبي طالب إلى صنم لطيئ من أجل هدمه ، في خمسين ومائة .


وكانت نتائج هذه السرايا انتصار المسلمين ، وكسب الغنائم ، مع نيل الشهادة لبعض القادة والمقودين ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

تلك بعض الأحداث التي كانت بين غزوتي الطائف وتبوك ، وهي تدل على الصبر والجلد عند أولئك الرجال العظام ، وكيف أنهم كانوا يواصلون الخير والعطاء ، ونشر الهداية بين الناس ، والجهاد في سبيل الله باللسان والسنان دون كلل أو ملل ، وفي ذلك درسٌ عظيم لأمة الإسلام كي تنهض من كبوتها ، وتأخذ بهدي نبيها ، عسى الله أن يجعل لها من بعد عُسرها يُسرا .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-09-04, 3:21 pm


غــــزوة تبوك .... والمواجهــة الأخيرة



من كان يصدّق أن العرب الذين كانوا مجرّد قبائل متناحرة ، ليس لهم كيانٌ يُذكر ، ولا أيّ قدرةٍ على مواجهة الأخطار الخارجيّة ، سيأتي عليهم يومٌ يتوّحدون فيه ، وتكون لهم دولة مستقلّة ، ويجابهون أعظم قوّةٍ في ذلك الزمان ، ويغزونها في عقر دارها ؟ .



إنّ ذلك لم يكن ليتحقّق إلا في ظلّ رسالة الإسلام ، والتي أصبح المسلمون من خلالها قوةً يحسب لها الآخرون ألف حساب ، حتى استطاعوا أن يعودوا إلى مكّة فاتحين خلال ثمان سنين من هجرتهم ، ليستقبلوا أفواج الناس التي أقبلت للدخول في دين الله .



فبعد استقرار الوضع الداخليّ في مكّة ، توجّه النبي - صلى الله عليه وسلم – بالنظر إلى الخارج لإكمال مهمّة الدعوة والبلاغ ، خصوصاً وأنّ الأنباء كانت قد وصلت إليه أنّ الروم بدأت بحشد قوّاتها لغزو المسلمين ، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم – أن يبادرهم بالخروج إليهم ، في غزوة عرفها التاريخ باسم " غزوة تبوك " .



وقد جاءت تسمية هذه الغزوة من " عين تبوك " التي مرّ بها المسلمون وهم في طريقهم إلى أرض الروم ، وسُمّيت أيضاً بــ" غزوة العسرة " لما اجتمع فيها من مظاهر الشدّة والعسرة، حيث حرارة الجوّ ، وندرة الماء ، وبعد المكان ، وفوق هذا وذاك كان المسلمون يعيشون حالة من الفقر وضيق الحال ، وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك الحال في قوله تعالى : { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة } ( التوبة : 117 ) .



ونظراً لتلك الظروف الصعبة ، استقرّ رأي النبي - صلى الله عليه وسلم - على التصريح بجهة الغزو على غير عادته ، وذلك لإدراكه بعد المسافة وطبيعة العدوّ وحجم إمكاناته ، مما يُعطي الجيش الفرصة الكاملة لإعداد ما يلزم لهذا السفر الطويل ، إضافةً إلى إن وضع الدولة الإسلامية قد اختلف عن السابق ، حيث تمكّن المسلمون من السيطرة على مساحاتٍ كبيرةٍ من الجزيرة العربية ، ولم يعد من الصعب معرفة وجهتهم القادمة .



وهكذا أعلن النبي - صلى الله عليه وسلم - النفير ، وحث الناس على الإنفاق في سبيل الله قائلاً : ( من جهّز جيش العسرة فله الجنة ) رواه البخاري ، فاستجاب الصحابة لندائه ، وضربوا أروع الأمثلة في البذل والعطاء ، فأما عثمان بن عفان رضي الله عنه فانطلق مسرعاً إلى بيته وأخذ ألف دينار ووضعها بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتكفّل بثلاثمائة بعير بكامل عدّتها ، فاستبشر النبي - صلى الله عليه وسلم - من فعله وقال : ( ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم ) رواه الترمذي .



وحاول عمر بن الخطاب أن يسبق أبا بكر فأتى بنصف ماله ، وإذا بأبي بكر رضي الله عنه يأتي بكل ما عنده دون أن يُبقي لأهله شيئاً ، فقال عمر رضي الله عنه : " والله لا أسابقك إلى شيء أبداً " .



وتصدّق عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بألفي درهم ، إلى جانب الصدقات العظيمة التي قدّمها أغنياء الصحابة كالعباس بن عبد المطلب ، و طلحة بن عبيد الله ، و محمد بن مسلمة ، و عاصم بن عدي ، رضي الله عنهم أجمعين .



وكان لفقراء المسلمين نصيبٌ في الصدقة ، حيث قدّموا كل ما يملكون في سبيل الله مع قلّة ذات اليد ، فمنهم من أتى بصاعٍ من تمر ، ومنهم من جاءّ بنصف صاعٍ أو أقلّ .



ووقف علبة بن زيد رضي الله عنه ينظر إلى جموع المسلمين ، وهي تتسابق على الإنفاق والصدقة ، والحسرة تملأ فؤاده حيث لم يجد ما يتصدّق به ، فلما جاء الليل وقف يصلّي ويبكي ، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: " اللهم إنك قد أمرت بالجهاد ، ورغّبت فيه ، ثم لم تجعل عندي ما أتقوّى به مع رسولك ، وإني أتصدّق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال أو جسد أو عرض " ، وفي الصباح سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( أين المتصدق هذه الليلة ؟ ) ، فلم يقم أحد ، فأعاد النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّة أخرى فلم يقم إليه أحد ، فشعر علبة رضي الله عنه أنه المقصود بذلك ، فقام وأخبره الخبر ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أبشر ، فوالذي نفس محمد بيده لقد كُتبت في الزكاة المتقبلة ) .



واستغلّ المنافقون هذه المواقف المشرّفة للسخرية من صدقات الفقراء ، والتعريض بنوايا الأغنياء ، وقد كشف القرآن عن خباياهم فقال سبحانه : { الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات ، والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر اللّه منهم ولهم عذاب أليم } ( التوبة : 79 ) .



كما حاولوا أن يصدّوا الناس عن الخروج ، بالترهيب من لقاء العدوّ تارةً ، والترغيب في الجلوس والإخلاد إلى الراحة تارةً أخرى ، خصوصاً أن الغزوة كانت في وقت شدّة الحرّ وطيب الثمر .



ولم يتوقّف كيد المنافقين عند هذا الحدّ ، بل قاموا ببناء مسجد في أطراف المدينة ليكون مقرّاً لهم ، يدّبرون فيه المؤامرات للقضاء على الإسلام وأهله ، وطلبوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلّي فيه كنوعٍ من التمويه والخداع ، لكنّ الله بيّن لنبيّه حقيقة نواياهم ، ونهاه عن الصلاة في مسجدهم .



واجتمع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثون ألف مقاتل من المهاجرين والأنصار وغيرهم من أبناء القبائل العربيّة ، ودفع باللواء إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وقام بتقسيم الجيش إلى عددٍ من الألوية ، وعيّن على كلٍ منها قائداً ، ثم استخلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليقوم برعاية أهله , فشقّ عليه أن تفوته هذه الغزوة ، فذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأذنه في الخروج ، فقال له عليه الصلاة والسلام: ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ ، غير أنه لا نبي بعدي ) رواه البخاري .



وجاء الفقراء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يطلبون منه أن يعينهم بحملهم إلى الجهاد ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يعتذر بأنّه لا يجد ما يحملهم عليه من الدوابّ ، فانصرفوا وقد فاضت أعينهم أسفاً على ما فاتهم من شرف الجهاد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فخلّد الله ذكرهم إلى يوم القيامة ، وأنزل فيهم قوله: { ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ، ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون } ( التوبة : 91 – 92 ) ، وكانت رغبتهم الصادقة في الخروج سبباً لأن يكتب الله لهم الأجر كاملاً ، فقد جاء في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم ؛ حبسهم العذر ) .



أما المنافقون فقد تخلّف معظمهم عن الغزو ، وقاموا بادّعاء الأعذار الكاذبة ، فمنهم من اعتذر بعدم القدرة على السفر ، ومنهم من اعتذر بقلّة المتاع ،ومنهم من اعتذر بشدّة الحرّ ، ومنهم من اعتذر بإعجابه بالنساء ، وخوف الفتنة بنساء الروم ، فقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - أعذارهم ، وأنزل الله آياتٍ في سورة التوبة تفضح أمرهم ، وتكشف حقيقة كذبهم ، وتنذرهم بالعذاب الأليم .



وانطلق الجيش بقيادة النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو الشمال ، وفي الطريق مرّوا على ديار ثمود ، فسارع بعض المسلمين ليروا مساكنهم ، ويقفوا على آثارهم ، وبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعا الناس ثم قال لهم : ( لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم ، إلا أن تكونوا باكين ؛ حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم ) ، ثم أمرهم بالإسراع في الخروج ، فأخبره الصحابة أن بعضهم قد تزوّدوا بالماء للشرب وصنع العجين ، فأمرهم بإراقة ذلك الماء ، وإطعام العجين للدواب ، إلا أنه استثنى ما أخذوه من بئر ناقة صالح عليه السلام .



وبدأت المعاناة بسبب نقص المياه ، وشدّة الحرارة ، وقلّة الرواحل ، حتى إن البعير الواحد كان يتناوب عليه الجماعة من الرجال ، واضطرّ بعضهم إلى أكل أوراق الشجر ونحر الإبل ليشربوا ما في بطونها ، وبعد أن بلغ بهم الجهد مبلغاً عظيماً شكوا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدعا ربّه بنزول المطر ، ولم يكد ينتهي من دعائه حتى أمطرت السماء وارتوى الناس ، وكانت هذه المعجزة تثبيتاً للمؤمنين وتخفيفاً لمعاناتهم .



وكان أبو ذرّ الغفاري رضي الله عنه قد تأخّر عن الجيش ، فبحث عن راحلةٍ تمكّنه من اللحاق بهم ، فلم يجد سوى راحلةٍ هزيلة ، فلما أبطأت به وخشي أن يتأخّر ، أخذ متاعه وحمله على ظهره ، ومشى على قدميه حتى اقترب من الجيش ، فرآه أحد الصحابة فقال : " يا رسول الله ، هذا رجلٌ يمشي على الطريق " ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( كن أبا ذر ) ، فلمّا تأمّله القوم قالوا : " يا رسول الله ، هو والله أبو ذرّ " ، فقال عليه الصلاة والسلام: ( رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويُبعث وحده ) رواه الحاكم .



وكان ممن تخلف عن الغزو في أوّل الأمر ، أبو خيثمة الأنصاري رضي الله عنه ، حيث لم يستطع أن يحمل نفسه على الخروج ، وفي يومٍ من الأيام دخل بستاناً له ، ورأى زوجتيه وهما يعدّان له المكان الظليل والماء البارد ، فاستيقظ ضميره ، وعاتب نفسه ، كيف يجلس في الظلّ والنعيم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعاني شدّة الحرّ ومشقّة الطريق ؟ ، فندم وأخذ سلاحه وركب دابّته، حتى أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - في تبوك ، وذهب إليه معتذراً , فعاتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما كان منه ، ثم عفا عنه ودعا له بخيرٍ .



وعندما وصل الجيش إلى تبوك ، لم يجدوا أثراً للروم أو القبائل الموالية ، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سريّةً بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى دومة الجندل ، وغنموا عدداً كبيراً من المتاع والأنعام ، واستطاعوا أن يأسروا ملكها " أكيدر بن كندة " ، وأتوا به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فصالحه على دفع الجزية ، ثم أطلق سراحه .



ومكث النبي - صلى الله عليه وسلم - في تبوك عشرين يوماً ، يستقبل الوفود التي جاءت للمصالحة ودفع الجزية من أهل " جرباء وأذرح "وغيرهما ، وكان منهم وفد ملك " أيلة " الذي بعث بهديّةٍ من كساء وبغلة بيضاء ، فقبلها النبي - صلى الله عليه وسلم - .



وبعد أن تحقّق المقصود من الغزو ، عاد الجيش الإسلاميّ إلى المدينة ، فلما اقترب منها خرجت جموع النساء والأطفال لاستقبال النبي - صلى الله عليه وسلم - والاطمئنان على سلامته ، ثم توجّه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مسجده وصلّى فيه ركعتين ، ثم جلس مع الناس ، وجاءه المنافقون يعتذرون إليه ، فقبل أعذارهم وأوكل سرائرهم إلى الله ، وحضر إليه الثلاثة الذين خُلّفوا عن المعركة فلم يقبل أعذارهم ، ونهى الناس عن مخالطتهم والكلام معهم ، حتى أنزل الله توبتهم .



هذه هي أحداث آخر غزوة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، استطاع من خلالها إسقاط هيبة الروم ، وتوطيد سلطان الإسلام في الجزيرة ، وإيصال رسالة إلى قبائل العرب بمقدار القوّة التي بلغها المسلمون ، الأمر الذي كان له أعظم الأثر في استجابتهم لدعوة الحق وقبولهم للإسلام بعد ذلك .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-09-04, 3:33 pm


مشـــاهد من معجزات غـــزوة تبوك



شهدت معركة تبوك العديد من المعجزات التي أجراها الله على يد نبيه – صلى الله عليه وسلم – تأييداً له ، وإظهاراً لصدقه ، وتخفيفاً للشدّة والمعاناة التي لقيها المسلمون أثناء سيرهم إلى أرض الروم .



وقد ذكر المؤرّخون عشر معجزات حدثت في تلك المعركة ، بعضها يتعلّق بالإخبار عن أمورٍ غيبيّة ، والبعض الآخر يتعلّق بمعجزاتٍ حسّية شهدها الصحابة ووقفوا عليها ، ومن تلك المعجزات :



إمطار السحاب ببركة دعائه

خرج المسلمون للغزو في جوٍّ شديد الحرارة ، ولم يكن معهم ما يكفي من الماء ، مما أدّى إلى شعورهم بالعطش الشديد ، فانطلقوا يبحثون عن الماء من حولهم ، لكنهم لم يجدوا له أثراً ، فاضطرّ كثيرٌ منهم إلى ذبح راحلته وعصر أحشائها لاستخراج الماء الذي بداخلها ، فلما رأى أبوبكر الصدّيق رضي الله عنه حال المؤمنين أسرع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – وقال : " يا رسول الله ، إن الله قد عوّدك في الدعاء خيراً ، فادع لنا " ، فقال له : ( أتحب ذلك ؟ ) ، قال : " نعم " ، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم – يده إلى السماء ، فما كاد أن يرجعهما حتى تجمّع السحاب من كلّ مكان وأظلمت الدنيا ، ثم هطل مطرٌ غزيرٌ ، فارتوى الناس وسقوا أنعامهم ، وملأوا ما معهم من الأوعية ، ولما غادروا المكان وجدوا أن تلك السحب لم تجاوز معسكرهم ، والقصّة رواها ابن خزيمة في صحيحه .


إخباره بمكان ناقته التي ضلّت

في الطريق إلى تبوك نزل جيش المسلمين في مكان للراحة ، فافتقد النبي – صلى الله عليه وسلم – ناقته ، وأرسل من يبحث عنها ، ولمّا لم يجدوها ، قال أحد المنافقين: " أليس يزعم أنه نبي ، ويخبركم عن خبر السماء ، وهو لا يدري أين ناقته ؟ " ، فأوحى الله إلى نبيّه بمقولة ذلك المنافق ، فدعا النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه وأخبرهم الخبر ، ثم قال : ( إني والله لا أعلم إلا ما علّمني الله ، وقد دلّني الله عليها ، وهي في الوادي في شعب كذا وكذا ، وقد حبستها شجرة بزمامها ، فانطلقوا حتى تأتوني بها ) فانطلق الصحابة إلى ذلك الموضع ، فوجدوها وأتوه بها .



تكثير الماء في تبوك والإخبار عن تحوّلها إلى جنان

في طريق الذهاب أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – من معه أنهم سيصلون إلى عين ماءٍ في تبوك ، وطلب منهم أن يتركوها على حالها ولا يمسّوها ، فلما وصلوا إلى تلك العين أسرع إليها رجلان واغترفا منها ، فنقص ماؤها ، ولما علم النبي - صلى الله عليه وسلم – غضب من فعلهما ، ثم طلب من الصحابة أن يأتوه من ماء تلك العين ، فغرفوا بأيديهم قليلاً حتى تجمّع لديهم شيء يسير ، فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغسل به يديه ووجهه ، ثم أعاده فيها ، فسالت بماء غزير حتى ارتوى الناس ، والتفت النبي - صلى الله عليه وسلم – إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه وقال : ( يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا قد مُلئ جناناً ) رواه مسلم ، وكانت معجزةً عظيمةً تنبّأ فيها النبي - صلى الله عليه وسلم – بتحوّل تلك المنطقة القاحلة إلى بساتين خضراء خلال فترةٍ وجيزة ، وقد تحقّق ما أخبر عنه - صلى الله عليه وسلم – ، وصارت منطقة تبوك معروفةً بوفرة أشجارها وكثرة ثمارها .



تكثير الطعام

أصاب الناس المجاعة نظراً لقلّة الزاد ، وبعد المكان ، فاستأذن بعض الصحابة النبي – صلى الله عليه وسلم – في ذبح الإبل والأكل منها ، فأذن لهم ، فجاء عمر بن الخطّاب رضي الله عنه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وبيّن له أن ذلك سيتسبّب في قلّة الرواحل ، واقترح عليه أن يأمر الناس بجمع ما لديهم من طعامٍ قليلٍ ، ثم الدعاء له بالبركة ، فكان الرجل يأتي بكفّ التمر ، وآخرُ يأتي بالكسرة ، وثالثٌ بكفّ الذرة ، حتى اجتمع شيءٌ يسير ، ودعا النبي - صلى الله عليه وسلم – أن يُبارك الله لهم في طعامهم ، فأخذوا في أوعيتهم ، حتى ما تركوا في المعسكر وعاء إلا ملأوه ، وأكلوا حتى شبعوا وبقيت زيادة ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( أشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكٍّ فيهما إلا دخل الجنة ) رواه مسلم .



التنبّؤ بحال ملك كندة

حينما وصل المسلمون إلى تبوك لم يجدوا فيها أثراً لجيوش الروم أو القبائل الموالية لها ، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى دومة الجندل ، وأخبره بأنّه سيجد زعيمها أكيدر بن عبد الملك وهو يصيد البقر ، وفي تلك الليلة وقف أكيدر وزوجته على سطح القصر ، فإذا بالبقر تقترب من القصر حتى لامست أبوابه بقرونها ، فتعجّب أكيدر مما رآه وقال لامرأته : " هل رأيت مثل هذا قط ؟ " قالت : " لا والله " ، فنزل وهيّأ فرسه ، ثم خرج للصيد بصحبة أفرادٍ من أهل بيته، فرآه خالد بن الوليد رضي الله عنه وقام بملاحقته ، حتى استطاع أن يأسره ، وقدم به على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فصالحه على الجزية ، وخلّى سبيله ، رواه البيهقي .



إخباره بالريح الشديدة

أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم – في تبوك عن هبوب ريحٍ شديدة ، وطلب من الناس أخذ الحيطة والحذر حتى لا تصيبهم بأذى ، وأمرهم بربط الدوابّ وعدم الخروج في ذلك الوقت ، ولما حلّ الليل جاءت الريح ، فقام رجلٌ من المسلمين من مكانه ، فحملته الريح حتى ألقته بجبل طيء ، رواه مسلم .



إخباره عن موت أبي ذر

كان أبو ذرّ الغفاري رضي الله ممّن تأخّر عن الجيش في غزوة تبوك ، ثم لحق به بعد ذلك ، ولمّا رآه النبي – صلى الله عليه وسلم - مقبلاً نحو الجيش يمشي وحده قال : ( رحم الله أبا ذر ؛ يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده ) ، ومضت سنين طويلة حتى جاءت خلافة عثمان بن عفّان رضي الله عنه ، فانتقل أبو ذر رضي الله عنه للعيش في منطقة " الربذة " ، وعندما حضره الموت أوصى امرأته وغلامه أن يقوموا بتغسيله وتكفينه ووضعه في طريق المسلمين عسى أن يمرّ به من يقوم بدفنه ، فأقبل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في جماعةٍ من أهل الكوفة ، وما أن عرفه حتى بكى وتذكر النبوءة وقال : " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثم تولّى دفنه بنفسه .



دعاؤه لرواحل المسلمين وتنبؤه بركوب أصحابه للسفن


في هذه الغزوة أُصيبت رواحل المسلمين بالإجهاد والتّعب ، فشكا الصحابة ذلك إلى - النبي صلى الله عليه وسلم – ، ولما اقتربوا من مضيق وقف النبي - صلى الله عليه وسلم – على بابه وأمر المسلمين أن يمرّوا من أمامه ، وجعل ينفخ على ظهور الرواحل ويقول : (اللهم احمل عليها في سبيلك ، إنك تحمل على القوي والضعيف ، وعلى الرطب واليابس ، في البر والبحر ) ، فعاد النشاط إليها وانطلقت مسرعةً ، حتى وجد الصحابة صعوبةً في السيطرة عليها .



وفي هذه الدعوة أيضاً إخبارٌ بأمر غيبيّ ، وهو استخدام الصحابة للسفن في الغزو والجهاد ، وقد أشار فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه إلى ذلك فقال " فلما قدمنا الشام غزونا في البحر ، فلما رأيت السفن وما يدخل فيها عرفت دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - " رواه أحمد .



تلك هي المعجزات التي شهدتها غزوة تبوك ، والتي تُعتبر خاتمةً لدلائل كثيرةٍ ، ومعجزات باهرةٍ ، وقف عليها الصحابة من أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم – في المعارك ، وبقيت شاهدةً على صدق نبوّته ، وعظمة رسالته .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-09-10, 2:52 pm



من تبوك إلى الوفاة



الثلاثة الذين خلفوا


قد يكون الجهاد فرض عين على المسلم، كما لو عينه الإمام ، ولا يجوزله التخلف عنه حينئذ إلا لعذر شرعي . لذلك عندما يستنفر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين للجهاد يخرج كل مسلم صادق ، ولا يتخلف إلا أهل الأعذار الشرعية أو أهل النفاق، ولكن في غزوة تبوك تخلف ثلاثة رجال كعب بن مالك و مرارة بن ربيع و هلال ابن أبي أمية عن الغزو مع الرسول صلى الله عليه وسلم من غير عذر شرعي ولا نفاق.

تخلف الثلاثة عن الغزو الذي كان في زمان الحر والشدة ، ولكن رغم فداحة الذنب وعظمته تجاوز الله عنهم وغفر لهم صنيعهم ، لأنهم كانوا صادقين مع أنفسهم ومع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، لم يخادعوه ولم يأتوا بأعذار كاذبة ، بل صدقوا واعترفوا بتخلفهم ، ولجؤوا إلى الله تائبين مستغفرين فتاب الله عليهم .

ولندع أحدهم وهو كعب بن مالك يقدم سردا ملخصا لهذه المحنة :

قال كعب : غزا النبي صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة، حين طابت الثمار، فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتجهز المسلمون معه ، ولم أتجهز وأقول في نفسي سألحق بهم حتى إذا خرجوا ظننت أني مدركهم، وليتني فعلت ، فلما انفرط الأمر ، أصبحت وحدي بالمدينة لا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق - أي مشهورا به - أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء، فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد راجعا من تبوك حضرني الفزع، فجعلت أتذكر الكذب، وأقول : بماذا أخرج من سخط رسول الله ؟ واستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي ، فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، زال عني الباطل، وعلمت أني لا أنجو منه إلا بالصدق، فأجمعت أن أصدقه .


فلما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة بدأ بالمسجد وجلس للناس ، فجاء المخلفون وجعلوا يعتذرون له ويحلفون، فيقبل منهم ظواهرهم ويستغفر لهم ، وكانوا بضعا وثمانين رجلاًَ ، فجئت فسلمت عليه، فتبسم تبسم المغضب ، فقال لي ، ما خلفك ؟ قلت: يا رسول الله والله لو جلست إلى غيرك من أهل الدنيا ، لخرجت من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلاً ، والله ما كان لي عذر حين تخلفت عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هذا فقد صدق ، فقم حتى يقضي الله فيك .


فخرجت من عنده فلحقني بعض أهلي يلوموني على أني لم أعتذر، ويستغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى هممت أن أرجع عن صدقي، فسألت هل قال أحد بمثل ما قلت؟ فذكروا لي رجلين صالحين: مرارة بن الربيع و هلال بن أبي أمية وكان فيهما لي أسوة .


ثم إن رسول الله نهى عن محادثتنا نحن الثلاثة ، فاجتبنا الناس ، وتغيروا لنا ، فتنكرت لي نفسي والأرض ، أما صاحبيّ فاستكانا وقعدا في بيتيهما ، أما أنا فأصلى مع المسلمين وأطوف الأسواق ولا يكلمني أحد حتى أقاربي .

بينما أنا في هذا الحال إذا جاءت رسالة من ملك غسان يقول لي : الحق بنا نواسيك بعد أن هجرك صاحبك ، قلت: هذا من البلاء أيضا ، فحرقت الرسالة ، فلما مضت أربعون ليلة إذ رسول من النبي صلى الله عليه وسلم يأمرني باعتزال امرأتي فقلت : الحقي بأهلك ، وكان الأمر باعتزال النساء لصاحبيّ أيضاً .

فلما مضت خمسون ليلة أذن الله بالفرج وجاءت التوبة ، قال كعب: فما أنعم الله علي بنعمة بعد الإسلام ، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ، و الله ما أعلم أحداً ابتلاه الله بصدق الحديث بمثل ما ابتلاني .

والآيات التي نزلت في توبتهم هي قوله تعالى:{ وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لاملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } ( التوبة:118،119).

وهكذا أزاح الله هذه الغشاوة المحزنة عن هؤلاء النفر الثلاثة، بعدما كادوا يقعون في الهلاك بسبب تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضاقت عليهم الأرض رغم رحابتها، وضاقت عليهم أنفسهم، فعلموا أن الملجأ من الله لا يتم إلا بالعودة إليه، فاستجاب الله لهم ،وغفر زلتهم، وهذه القصة اشتملت على فوائد و عبر كثيرة :

منها: أن القعود عن الجهاد عند استنفار الإمام يعد إثما كبيرا في الإسلام تجب التوبة منه.

ومنها: تعامل الصحابة مع أمر النبي صلي الله عليه وسلم، وتنفيذهم له ،حتى ولو كان الأمر يتعلق بأقاربهم.

ومنها: ولاء الصحابة الصادق لله ،فرغم فداحة الحادثة وصعوبة المقاطعة لم يفكركعب بن مالك في اللحاق بالكافرين ولم يلتفت إلى عرضهم .

ومنها: قيمة الصدق في الإسلام ، وكيف أن الصدق هدى الثلاثة إلى البر ورضوان الله، اللهم ارزقنا الصدق، واحشرنا مع الصديقين.



دور المنافقين في غزوة تبوك


بعد أحداث صلح الحديبية ، أصبح وجود المنافقين محدوداً ، فلم تعد تقوم لهم قائمة، ولم يكن لديهم من القوة ما يكفي لمحاربة المسلمين، وفي المقابل عاد المجتمع الإسلامي ليصبح أكثر قوة وأشد بأساً لا سيما بعد فتح مكة، حيث كثر الوافدون إلى الدين الحنيف بفضل الله تعالى .



ومن المؤسف أن رأس المنافقين عبد الله بن أبيّ كان لا يزال على قيد الحياة، والذي سعى بدوره لتنظيم صفوف حزبه، وبَذَل جهده لبناء قوة تمكنه من مواجهة المسلمين .



فلما حان وقت الخروج لغزو الروم، وجاء الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج، بدأ المنافقون عملهم المتمثل في تخذيل الفئة المؤمنة وثنيها عما هي ماضية إليه ، فقد كان عدد المتخلفين من المنافقين في غزوة تبوك نحو ثمانين رجلاً، وكانت مصالحهم الدنيوية قد قعدت بهم عن الجهاد في سبيل الله.



وقد برز دور المنافقين في هذه الغزوة على ثلاث مراحل، مرحلة ما قبل النفير، ومرحلة النفير، والمرحلة الأخيرة :

مرحلة ما بعد النفير وهي مرحلة وجودهم في المدينة.


المرحلة الأولى

أما دورهم قبل النفير فقد انصب على تخذيل الناس عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوتهم إلى الركون للدنيا ، حيث كان الوقت وقت اشتداد الحر ، وقطف الثمار، وكان الناس يفيئون إلى ظلال الأشجار، وهو وقت ميلان النفوس إلى الدعة والكسل والراحة ، وقد وصف القرآن الكريم تلك الحال فقال تعالى: { وقالُوا لا تنفروا فِي الحر قل نَار جهنم أَشد حرا لو كانوا يفقهون } (التوبة:81) ، وقال تعالى: { ولو أَرادوا الخروج لأَعدوا لَه عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثَبطهم وَقيل اقعدوا مع القاعدين } (التوبة:46) ومن ثم نتج عن ذلك تخلف رهط من المنافقين، وعدد قليل من الصحابة، فلم يخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتوه يحلفون له ويعتذرون إليه، قال تعالى: { ومنهم من يَقول ائذن لِي وَلا تفتني أَلا فِي الفتنَة سَقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين } (التوبة:49)، وأما البقية من المنافقين فقد كانوا معه في المسير يقتنصون الفرص للكيد والإرجاف والتثبيط .

المرحلة الثانية


تمثل دور المنافقين في هذه المرحلة وهي مرحلة النفير في مخالفة الأوامر، وبث الفتنة والفرقة في صفوف جيش المسلمين ، والتكاسل عن المسير، وكان من أهم الأحداث التي حصلت محاولة اغتيال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى: { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وَما نقموا إِلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإِن يتولوا يعذبهم الله عذابا أَلِيما فِي الدنيَا والآخرة وما لهم في الأَرض من ولي وَلا نصير } (التوبة:74)، وقد أحبط الله تعالى مخططاتهم، بإطلاع نبيه عليها حين همُّوا بما لم ينالوا، فقد روى البيهقي في دلائل النبوة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ، قال : كنت آخذاً بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقود به و عمار يسوق الناقة ، أو أنا أسوق و عمار يقود به ، حتى إذا كنا بالعقبة إذا باثني عشر راكباً قد اعترضوه فيها ، فأنبهت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فصرخ بهم فولوا مدبرين، فقال لنا رسول الله: ( هل عرفتم القوم ؟ قلنا : لا يارسول الله قد كانوا متلثمين ، ولكنا قد عرفنا الركاب . قال: ( هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة ، وهل تدرون ما أرادوا ؟ قلنا: لا، قال: أرادوا أن يزحموا رسول الله في العقبة فيلقوه منها. قلنا: يا رسول الله أولا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم ؟ قال : ( لا، أكره أن تتحدث العرب بينها أن محمداً قاتل بقومه، حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم ) . ثم قال: ( اللهم ارمهم بالدبيلة ) قلنا: يا رسول الله و ما الدبيلة ؟ قال: ( هي شهاب من نار تقع على نياط قلب أحدهم فيهلك ) .


وبالرغم من وضوح هذه الجريمة الغادرة، تجلى موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - العظيم تجاه هؤلاء النفر، بالتسامح والعفو عنهم، وذلك حفاظًا على سمعة الفئة المؤمنة ، ومخافة أن يقول الناس: إن محمدًا يقتل أصحابه.



المرحلة الثالثة


في المدينة وبعد الرجوع من تلك الغزوة أراد المنافقون استغلال غياب النبي صلى الله عليه وسلم، إذ كانوا يخططون لإقامة مركز خاص بهم، يأوي إليه أهل النفاق والشقاق، وهو مسجد الضرار، الذي وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بافتتاحه والصلاة فيه بعد العودة من تبوك، وأطلع الله تعالى نبيه على ما قصد إليه المنافقون من وراء إقامة هذا المسجد ، فبعث مَن يحرق مسجد الضرار، قال تعالى { والذِين اتخذوا مسجدا ضرارا وَكفرا وتفريقا بين المُؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أَردنا إِلا الحسنى وَالله يشهد إنَهم لكاذبون } (التوبة:107).



هؤلاء هم المنافقون، وهذا دورهم في هذه الغزوة ، وتلك هي شيمهم وأخلاقهم في كل زمان ومكان.

وقبل الختام، ادعوك أخي القارئ للرجوع إلى سورة براءة، تلك السورة التي سميت المُخزية والفاضحة والمُبعثِّرة للمنافقين، حيث كشفت جميع مخططات المنافقين وفضحت سلوكهم في قرآن يُتلى إلى يوم القيامة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-11-06, 1:32 pm



عـــام الــوفــود


بعد فتح مكّة في العام الثامن للهجرة ، وانتهاء غزوة تبوك ، وسقوط آخر المعاقل المقاومة لدولة الإسلام ، وظهور نتائج الصراع بين الحق والباطل ، وبين التوحيد والشرك ، بادرت قبائل العرب إلى لإسلام ، وأقبلت الوفود إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - من كل حدبٍ وصوب ، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم : { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً } ( النصر : 2 ) ، حتى ازداد عدد تلك الوفود في ذلك العام على الستّين وفداً - كما تشير مصادر التاريخ - ، واهتمّ بعض العلماء في ذكر تفاصيلها وإيراد أخبارها كابن إسحاق في سيرته و ابن سعد في الطبقات ، وهذه لمحة موجزة عن أهم تلك الوفود :



وفد بني تميم

يعتبر وفد بني تميم من أبرز الوفود التي جاءت إلى المدينة في ذلك العام ، وذلك لمكانتها بين قبائل العرب ، وسمعتها في مجال الأدب والخطابة والشعر .


وكان قدومهم إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بسبب سريّة عيينة بن حصن رضي الله عنه إليهم ، فقد أسر منهم أحد عشر رجلاً وإحدى عشرة امرأة ، فقدم رؤساؤهم وأشرافهم ليشفعوا في هؤلاء الأسرى .



ويحكي علماء السيرة تفاصيل دخولهم على النبي – صلى الله عليه وسلم – وندائهم له على نحوٍ منافٍ للأدب نزل على إثرها قوله تعالى : { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون } ( الحجرات : 4 ) ، كما جرى بينهم وبين المسلمين سجالات شعريّة ومعارضات خطابيّة ، كانت في النهاية سبباً في إسلامهم وإسلام قومهم بعد ذلك.



وفد عبد القيس

تذكر المصادر التاريخية أن رجلاً من بني عبدالقيس يُقال له منقذ بن حيّان كان يرد المدينة للتجارة ، فرأى النبي – صلى الله عليه وسلم – وأنصت لكلامه فأعجبه ، فأسلم وحسن إسلامه ، ثم بعثه النبي – صلى الله عليه وسلم – بكتابٍ إلى قومه يدعوهم إلا الإسلام ، فتوافدوا عليه في ذلك العام وسألوه عن الإيمان والأشربة ، وكان كبيرهم هو الأشج الذي قال فيه النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة ) رواه مسلم .



وفد نجران

كان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد أرسل إلى نصارى نجران يدعوهم فيه إلى الإسلام ، فبعثوا إليه بوفد من أشرافهم ليقابلوه ، ودار النقاش طويلاً بين أولئك النصارى وبين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ونزلت الكثير من الآيات التي تجيب عن تساؤلاتهم .


وبعد أن رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تعنّتهم وإصرارهم على تزوير الحقائق دعاهم إلى المباهلة – أي الملاعنة - كما أمره الله تعالى في قوله : { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين } ( آل عمران : 61 ) ، فامتنعوا عن المباهلة خشية أن يكون ذلك سبباً في هلاكهم ونزول العذاب عليهم ، ثم تصالحوا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – على دفع الخراج ، واشترطوا أن يبعث معهم رجلاً أمينا لقبض المال منهم ، فأرسل معهم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أمين هذه الأمة ، رواه البخاري ، ثم ما لبث الإسلام أن انتشر بينهم ، حتى بعث النبي – صلى الله عليه وسلم – من يأخذ منهم صدقاتهم.



وفد بني حنيفة

جاء وفد بني حنيفة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكانوا سبعة عشر رجلاً فيهم مسيلمة الكذّاب ، فأسلموا ونزلوا في دار بنت الحارث التي كانت مخصّصة للوفود ، أما مسيلمة فكان يطمع في الملك والرياسة واستنكف عن الإسلام ، ولذلك كان يقول لمن حوله : " إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته " ، فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم – مقالته أقبل إليه ومعه ثابت بن قيس رضي الله عنه ، وفي يده عليه الصلاة والسلام قطعةٌ من جريد النخل ، فقال – صلى الله عليه وسلم – : ( لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ، ولن تعدو أمر الله فيك ، ولئن أدبرت ليعقرنك الله ، وهذا ثابت يجيبك عني ) ، ثم انصرف عنه ، رواه البخاري .



وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قد رأى في منامه كأنّ في يديه سوارين من ذهب ، فأصابه الهمّ لذلك ، حتى سمع في المنام من يأمره أن ينفخ فيهما ، فلما فعل ذلك استحالا تراباً ، فأوّلهما النبي – صلى الله عليه وسلم – بخروج من يدّعي النبوة كذباً وبهتاناً ، فكان أحدهما العنسيّ في اليمن ، ومسيلمة في بني حنيفة ، وتفاصيل الرؤيا في صحيح البخاري .



وفد الحميريّين من أهل اليمن

كانت للحميريّين وفادة في السنة التاسعة من الهجرة وافقت قدوم وفد بني تميم ، وكانوا أفضل منهم ، فقد قبلوا بشارة النبي – صلى الله عليه وسلم – ، كما جاء عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم : ( يا أهل اليمن اقبلوا البشرى ، إذ لم يقبلها بنو تميم ) فقالوا : " قبلنا " ، رواه البخاري ، ثم قالوا : " أتيناك لنتفقّه في الدين " ، وسألوه عن بدء الخلق وأحوال العالم ، فأجابهم النبي – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك كلّه كما في البخاري .



وفد طيء

قدم وفد من أعيان طيء للقاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وبصحبتهم سيّدهم زيد الخيل رضي الله عنه ، والذي أسماه النبي – صلى الله عليه وسلم - زيد الخير ، فعرض عليهم النبي عليه الصلاة والسلام الإسلام فقبلوه ، وحسن إسلامهم .



وفد بني عامر

استقبل النبي – صلى الله عليه وسلم – وفد بني عامر وأحسن ضيافتهم ، فأعجبوا بأخلاقه عليه الصلاة والسلام فأسلموا جميعاً ، وأعلنوا تأييده ، وبالغوا في مدحه ، فعن أبي مطرف رضي الله عنه قال : " انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا : أنت سيّدنا ، فقال : ( السيد الله تبارك وتعالى ) ، قلنا : وأفضلنا فضلاً ، وأعظمنا طولا ، فقال لنا : ( قولوا بقولكم أو بعض قولكم ، ولا يستجرينّكم الشيطان ) رواه الترمذي .



وممن جاء في ذلك الوفد زعيم القوم عامر بن الطفيل ، لكنّه لم يأت مهاجراً إلى الله ورسوله ، بل قدم يريد الغدر برسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكفاه الله شرّه ، وقد عرض على النبي عليه الصلاة والسلام مقاسمته في الملك ، أو أن يعهد إليه بالخلافة من بعده ، وإلا فالحرب بينه وبين المسلمين ، ولم تمضِ أيّام قليلة على تهديده حتى ابتلاه الله تعالى بالأورام الخبيثة فمات وهو راكبٌ فرسه ، رواه البخاري .


وفد بني سعد بن بكر

أرسلت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه وافداً إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ، ويروي الإمام البخاري قصة قدومه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : " بينما نحن جلوس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ، دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله – أي أوثق حباله - ، ثم قال لهم : أيكم محمد ؟ ، والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم ، فقلنا : هذا الرجل الأبيض المتكئ ، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - : الرجل ابن عبد المطلب ؟ ، فقال له : ( قد أجبتك ) ، فقال الرجل : إني سائلك فمشدد عليك في المسألة ، فلا تجد عليّ في نفسك ، فقال : ( سل عما بدا لك ) ، فقال له : أسألك بربك ورب من قبلك ، آلله أرسلك إلى الناس كلهم ؟ ، فقال : ( اللهم نعم ) ، فقال : أنشدك بالله ، آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة ؟ ، فقال : ( اللهم نعم ) ، فقال له : أنشدك بالله ، آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة ، فقال : ( اللهم نعم ) ، فقال له : أنشدك بالله ، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( اللهم نعم ) فقال الرجل: آمنت بما جئت به ، وأنا رسول من ورائي من قومي ، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر "أ.هـ.



ولما رجع إلى قومه اجتمعوا إليه ، فكان أول ما تكلم به أن قال : بئست اللات والعزى : قالوا مه – أي : اسكت - يا ضمام ، اتق البرص والجذام ، اتق الجنون ، قال : ويلكم ، إنهما والله لا يضران ولا ينفعان ، إن الله عز وجل قد بعث رسولا ، وأنزل عليه كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه ، وإني أشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، إنى قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه " ، ولم يمض ذلك اليوم حتى أسلم ديار بني بكر كلّها ، يقول قال ابن عباس رضي الله عنهما : " فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة " رواه أحمد .



وفد المراديين

ذكر علماء السيرة قدوم فروة بن مسيك المرادي رضي الله عنه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – مع جماعة من قومه ، كما أورد الإمام الترمذي طرفاً من خبره ، حين أتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال له : " يا رسول الله ، ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم ؟ فأذن لي في قتالهم ، وأمرني ، " ، فلما خرج من عند رسول الله عليه الصلاة والسلام سأل عنه ، وأرسل من يطلبه ، فلما جاءه قال له : ( ادع القوم ، فمن أسلم منهم فاقبل منه ، ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك ) .



ويروي ابن إسحاق في السيرة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – استعمله على قبائل مراد ومذحج وزبيد ، وأرسل معه خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه على أمر الصدقة ، وظل معه حتى توفي الرسول – صلى الله عليه وسلم – .



وفد كندة

أرسلت كندة وفداً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – يرأسهم الأشعث بن قيس رضي الله عنه ، فأعلنوا إسلامهم ، واستقرّوا في المدينة أيّاماً ليتلقّوا العلم من النبي – صلى الله عليه وسلم - ، وكان من حملة ما سألوه السؤال عما اشتهر لديهم من عودة أصول أهل قريش إلى كندة ، فنفى النبي عليه الصلاة والسلام ذلك قائلاً : ( نحن بنو النضر بن كنانة ، لا نقفو أمّنا ، ولا ننتفي من أبينا ) والمقصود بالقول السابق إثبات نسبتهم للنضر بن كنانة ، ولذلك كان الأشعث بن قيس رضي الله عنه يقول : " لا أوتي برجل نفي رجلا من قريش من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد " رواه ابن ماجة .



وفد قوم جرير بن عبدالله البجلي

قدم جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه من أرض اليمن مع وفد من قومه إلى المدينة ليعلنوا إسلامهم ، ويحكي جرير رضي الله عنه لحظات وصوله فيقول : " لما دنوت من المدينة أنخت راحلتي ، ثم لبست حُلّتي ، ثم دخلت المسجد ، فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب ، فرماني الناس بالحدق – أي واجهوا أنظارهم إليه - ، فقلت لجليسي : يا عبد الله ، هل ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أمري شيئا ؟ ، قال : نعم ، ذكرك بأحسن الذكر ، بينما هو يخطب إذ عرض له في خطبته فقال : ( إنه سيدخل عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن ، ألا وإن على وجهه مسحة ملك ) ، يقول جرير رضي الله عنه : فحمدت الله عز وجل " رواه أحمد .


وفد ثقيف

عندما قدم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلهم في المسجد ؛ ليكون أرق لقلوبهم إذا سمعوا القرآن ورأوا الناس تصلي ، فمكثوا يتردّدون على النبي - صلى الله عليه وسلم – وهو يدعوهم إلى الإسلام ، فعرضوا عليه أن يعقد معهم صُلحاً يأذن لهم فيه بموجبه بالزنا وشرب الخمر وأكل الربا ، ويترك لهم اللات ، ويعفيهم من الصلاة ، فأبى النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فتشاوروا فلم يجدوا محيصاً من الإسلام ، واشترطوا أن يتولّى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هدم اللات ، وأن ثقيفاً لا يهدمونها بأيديهم قبل ذلك ، وأمّر النبي عليه الصلاة والسلام عليهم عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه لأنه كان أحرصهم على التفقّه في الدين وتعلّم القرآن .



[
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-11-06, 1:33 pm

llow]وفد تميم الداري

كان تميم الداري رضي الله عنه رجلا نصرانيا ، فجاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم فبايعه على الإسلام ، وقد سرّ النبي – صلى الله عليه وسلم – بلقائه ، فقد كان شاهداً على صدقه عليه الصلاة والسلام فيما أخبر به من أمر الدجال وأوصافه ، حينما التقى به في إحدى أسفاره ، والقصّة بتمامها مذكورة في صحيح مسلم .



وبإمكاننا أن نستقي من الأخبار السايقة المنهج النبوي العظيم في كيفيّة التعامل مع المدعوّين ومراعاة مشاعرهم واختلاف مستوى مداركهم ، كما تعكس تلك الأخبار دقّة النبي – صلى الله عليه وسلم – وتنظيمه من خلال تهيأته الأماكن لاستقبال تلك الوفود وإعداد دور الضيافة لهم ، وتظهر أيضاً حرص القادمين على معرفة أحكام الدين وشرائعه ، فكانت هدايتهم هدايةً لمن ورائهم من العرب .



وفاة عبدالله بن أبي بن سلول


في شهر شوال من السنة التاسعة للهجرة ، وبعد آخر غزوات رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وارى التراب جثمانَ رجلٍ كان من أشدّ الناس خصومةً للإسلام وأهله ، وشخصيّةٍ كانت مصدر قلقٍ ومنبع شرٍّ للمجتمع الإسلامي بأسره ، ذلك هو زعيم النفاق ورافع لوائه عبدالله بن أبي بن سلول .



هذه الشخصية هي صاحبة الامتياز في إخراج ظاهرة النفاق إلى الوجود ، فلم يكن الناس قبل ذلك إلا مؤمناً صادق الإيمان ، أو كافراً مجاهراً بجحوده ، فأضاف ابن سلول طريقاً ثالثاً أخطر من صريح الشرك ، وهو الكفر الخفي ؛ ليعمل على هدم الإسلام من داخله ، ويقضي على تلاحم أبنائه ، وتماسك أفراده .



وجذور النفاق عميقةٌ في نفس ابن سلول ، وكانت البداية قبل هجرة النبي – صلى الله عليه وسلم – ، يوم كانت المدينة تعيش قتالاً شرساً بين الأوس والخزرج ما إن تهدأ ثائرتها قليلاً حتى تعود للاشتعال مرّة أخرى ، وانتهى الصراع على اتفاقٍ بين الفريقين يقضي بنبذ الخلاف وتنصيب ابن سلول حاكماً على المدينة .



ووئدت هذه الفكرة بدخول الإسلام إلى أرض يثرب ، وورود الناس حياض الشريعة ، واجتماعهم حول راية النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فصارت نظرة ابن سلول لهذا الدين تقوم على أساس أنه قد حرمه من الملك والسلطان ، وبذلك كانت مصالحه الذاتية وأهواؤه الشخصيّة وراء امتناعه عن الإخلاص في إيمانه والصدق في إسلامه .


ومنذ ذلك اليوم نصب ابن سلول العداوة الخفيّة للمسلمين ، مدفوعاً بالحقد الذي تنامى في أحشائه ، والخبث الذي طبعت عليه نفسه ، فكرّس حياته لتقويض دعائم الإسلام ودولته ، وانطلق ينفث سمومه للتفريق بين المسلمين ، وقد تفنّن في صنع الافتراءات واختلاق الفتن ، وشنّ الحرب النفسية ، وزرع بذور الاختلاف ، في الضوء حيناً ، وتحت جنح الظلام أحياناً .



وإطلالة سريعة على تاريخ المدينة تكفي للوقوف على جانبٍ من الأراجيف التي أنشأها ، والمؤامرات التي حاكها ، خلال سنينه السبع التي قضاها في الإسلام ، فيوم أحد انسحب هذا المنافق بثلاثمائة من أصحابه قبيل اللقاء بالعدو ، وقد علّل ذلك بقوله عن النبي – صلى الله عليه وسلم - : " أطاعهم فخرج وعصاني ، والله ما ندري علام نقتل أنفسنا ها هنا أيها الناس ؟ " ذكره الطبري في تاريخه .



وبعد انتصار المسلمين على يهود بني قينقاع سارع ابن سلول في الشفاعة لحلفائه كيلا يقتلهم رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فجاء إليه وقال : " يا محمد ، أحسن في مواليّ " ، وكرّر ذلك على النبي – صلى الله عليه وسلم – وأمسكه من ثيابه حتى ظهر الغضب في وجه النبي عليه الصلاة والسلام ، وقد علّل إصراره على هذا الموقف بقوله : " قد منعوني من الأحمر والأسود ، إني امرؤ أخشى الدوائر " ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( هم لك ) ، رواه ابن إسحاق في سيرته .



وفي غزوة بني النضير قام عبدالله بن أبي بن سلول بتحريض حلفائه من اليهود على قتال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعدم الاستسلام له ، ووعدهم بالنصرة والمساعدة ، فأعلنوا الحرب ، وانتهى بهم الأمر إلى الجلاء من المدينة.



وفي غزوة بني المصطلق ، استطاع ابن سلول - بدهاء ومكر شديدين - أن يحيك مؤامرة دنيئة للطعن في عرض خير نساء النبي – صلى الله عليه وسلم - عائشة رضي الله عنها ، وظل المسلمون يكتوون بنار هذه الفتنة شهراً كاملاً حتى نزلت الآيات الكريمات من سورة النور لتفصل في القضية .



ويوم تبوك كان ابن سلول العقل المدبّر لفكرة " مسجد الضرار " ، وهو مسجد أسّسه المنافقون ليكون مقرّهم السرّي الذي تصدر منه الفتن وتصنع فيه الأراجيف لإثارة البلبة بين المسلمين .



وعلى الرغم من المحاولات العديدة التي حاول فيها ابن سلول كتمان غيظه وبغضه لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومن معه من المؤمنين ، إلا أن فلتات لسانه كانت تشير إلى حقيقة مشاعره الدنيئة ، كقوله لرسول الله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : " إليك عني ، والله لقد آذاني نتن حمارك " ، وقوله لمن حوله : " لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا " ، وقوله تعريضاً بالنبي – صلى الله عليه وسلم : " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذلّ " وكل ذلك مذكور في الصحيحين .



ومع كلّ فتنة كان يثيرها ، ونارٍ كان يشعلها ، تنزل الآيات تباعاً لتفضح مسلكه وتبيّن حقيقته ، كقوله تعالى : { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا } ( آل عمران : 186 ) ، وقوله تعالى : { فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة } ( المائدة : 52 ) ، وقوله عز وجل : { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } ( المنافقون : 1 ) ، وغير ذلك من الآيات .



وقد يتساءل البعض عن موقف النبي – صلى الله عليه وسلم – من ابن سلول ، كيف تحمّله طيلة هذه السنوات ولم يأمر بقتله ؟ ، والجواب أن النبي – صلى الله عليه وسلم – خشي أن يُشاع بين القبائل أن محمدا يقتل أصحابه ، حيث إن العرب في أنحاء الجزيرة لم يكونوا يدركون تفاصيل المؤامرات التي تحدث في المدينة ، ولن يتمكّنوا من استيعاب مبرّرات العقوبات التي سيتّخذها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في حقّ ذلك المنافق ، والصورة التي ستصلهم حتماً صورة مشوّهة ، حاصلها : أن سيّداً من سادات المدينة ووجهائها اعتنق الإسلام ، ثم جاء الأمر بقتله ، ولا شكّ أن هذه الصورة المنقوصة ستشكّل حائلاً بينهم وبين اعتناق هذا الدين .



وثمّة سببٌ آخر لا يقلّ أهمّية عن سابقه ، وهو أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان حريصاً على وحدة الصف الداخلي ، خصوصاً في المراحل الأولى من قدومه إلى المدينة ، في وقتٍ كانت بذرة الإسلام في نفوس الأنصار لا تزال غضّةً طريّة ، فاختار النبي – صلى الله عليه وسلم – أسلوب المداراة والصبر على أذى ابن سلول لتظهر حقيقة الرجل من خلال تصرّفاته ومواقفه ، وقد أثمر هذا الأسلوب بالفعل ، حيث وجد ابن سلول العتاب والبغض في كلّ موقفٍ من مواقفه ، وكان ذلك على يد من كانوا يرغبون في تتويجه ملكاً عليهم في السابق ، فنبذه أهله وأقرب الناس إليه .



ولا أدلّ على ذلك من موقف ولده عبدالله بن عبدالله بن أبي رضي الله عنه ، والذي كان من خيرة الصحابة ، وقد قال يوماً للنبي – صلى الله عليه وسلم - : " يا رسول الله ، والذي أكرمك ، لئن شئت لأتيتك برأسه " ، فقال له : ( لا ، ولكن برّ أباك وأحسن صحبته ) رواه البزار .



وتدور عجلة الأيام ، والمسلمون في معاناتهم من أذى النفاق ومكائده ، حتى حانت اللحظات الأخيرة من حياة ابن سلول ، ففي أواخر شهر شعبان يسقط على فراشه ويقاسي آلام المرض وشدّة الموت ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – لا يكفّ عن زيارته والسؤال عن حاله بالرغم من عداوته له .



ولعل النبي – صلى الله عليه وسلم – أراد بذلك أن يتألف قلب هذا المنافق ، لعلّه يلين إلى ذكر الله ، والقلوب بين أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء ، إضافةً إلى كون ذلك فرصةً فاعلة لدعوة أتباعه وأوليائه .



وتروي لنا كتب السيرة تفاصيل اليوم الأخير من حياة ابن سلول ، فقد دخل عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – يزوره ، فطلب ابن سلول من النبي عليه الصلاة والسلام أن يعطيه ثوبه ليكون كفناً له ، وإنما فعل ذلك ليدفع به العار عن ولده وعشيرته بعد موته – كما قال الإمام ابن حجر - ، ولم يكن من عادة النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يردّ سائلاً أبداً ، فأعطاه قميصه ، كرماً منه وفضلاً ، و مكافأة له لما كان منه يوم بدرً ، فقد استعار النبي – صلى الله عليه وسلم – من ابن سلول قميصه يوم بدر ليعطيه عمّه العباس رضي الله عنه ، وقد كان العباس طويلاً فلم يكن يناسبه إلا قميص ابن سلول .



وجاء عبدالله بن عبدالله بن أبي رضي الله عنه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : " يا رسول الله ، أعطني قميصك أكفنه فيه ، وصلّ عليه ، واستغفر له " ، فأعطاه النبي عليه الصلاة والسلام قميصه ، وقام ليصلّي عليه ، فلما سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك أسرع إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال له : " أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين ؟ " ، فقال له : ( إني خُيّرت فاخترت ، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها ) يعني قوله تعالى : { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } ( التوبة : 80) فقد جاءت الآية بالتخيير بين الاستغفار وعدمه ، فلما صلى عليه نزلت الآية الأخرى وهي قوله تعالى : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون } ( التوبة : 84 ) .


وبموت عبدالله بن أبي بن سلول انحسرت حركة النفاق بشكل كبير ، وتراجع بعض أفرادها عن ضلالهم ، في حين اختار البعض الآخر البقاء على الكفر الذي يضمرونه ، والنفاق الذي يظهرونه ، لا يعرفهم سوى حذيفة بن اليمان صاحب سرّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم - .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
shams
Administrator
Administrator
avatar


انثى
عدد الرسائل : 2467
العمر : 37
الـبــلـد : سوريا
الهوايات : السباحة
الإقامة : syria
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 SyriaC
السٌّمعَة : 0
النقاط : 179
تاريخ التسجيل : 09/01/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-11-09, 3:15 pm

بارك الله فيكي

اشتئتلك كتير ياغالية

مشكورة لمجهوداتك

تحياتي الك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسيرة المستحيل
... مشرف ...
... مشرف ...
أسيرة المستحيل


انثى
عدد الرسائل : 3234
العمر : 42
الـبــلـد : فلسطين
الهوايات : المطالعة
الإقامة : مع نفسي
علـم الدولـة : السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Pal_Flag
السٌّمعَة : 0
النقاط : 12
تاريخ التسجيل : 12/02/2008

السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام   السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - صفحة 2 Icon_minitime2008-11-09, 4:42 pm


اهلاااااااااااااا الينوو

وانا اشتقتلك كتيير

ميرسي لمرورك

دمتي بالف خيير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السيرة العطرة لسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
 مواضيع مماثلة
-
» الصلاة في الدين المسيحي
» دعـاء جبريـل عليه السلام ..
» قصص الانبياء ... عليهم افضل الصلاة والسـلام
» أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم
» وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الجميع :منتدى شبابي عربي( والشباب السوري خص نص )ميت فله :: ~*¤®§(*§ مـنـتــدى الأديـــان الـسـمـاويــة §*)§®¤*~ˆ° :: القسم الأسلامي العام-
انتقل الى: